فإن لم تكن رغبة يقابلها امتناع لم يكن حب. والمرأة التي تمنح جسدها كلَّ طالب تكون مطلوبة وتكون مرغوباً فيها للّذة العابرة والمتعة السائرة، ولكنها لا تكون محبوبة أبداً!
ويسخر النفسيون من رجل يتوسل إلى المرأة التي يحبها بالأرق والسهاد والضعف والنحول، والهزال المميت والسلّ الرئوي، وبأنه شبح يمشي وخيال يتحرك ... فماذا تصنع المحبوبة بهذا «البلاء»؟ إن المرأة تريد في العاشق رجلاً متين البناء قوي الجسد مفتول العضل، يسند ضعفها بقوّته ويتم أنوثتها برجولته، لا تريد ميتاً إن توكأت عليه انهدم. فإن كان «شعراء النحول» هؤلاء صادقين بهذا الهذر الذي ملؤوا به نسيبهم وحشوا به أشعارهم، فليفتشوا لهم عن «ممرضات» لا عن «حبيبات»!
ولا يصدق النفسيون أوصاف الشعراء المحبين. إن المحب عندهم لا يرى الفتاة على حقيقتها ولكنه يُلبسها من حبّه ثوباً يراها فيه أجمل الناس. ولا يصدقون دعوى الحبّ من النظرة الأولى؛ إن النظرة الأولى تنشئ «الحس بالجمال» لا الحب. وقد وصف وليم جيمس هذا الحسّ بأنه هزّة في الأعصاب يعقبها خدر سريع، فإذا أحسست جمال فتاة قد طلعت عليك من الطريق فصَبَرت عنها نفسك وغضضت بصرك وثَبَتَّ لحظة واحدة حتى تمرّ بك وتمضي عنك واشتغلت عنها بغيرها نسيتها، وإن كررت النظر إليها (١) أو تبعتها لتعرف مقرّها ولد حبّك إياها، أي رغبتك في «الاجتماع» بها.
(١) وفي الحديث: «لك النظرة الأولى»، أي التي تلقيها عَرَضاً بلا تعمّد ولا قصد، «وعليك الثانية» أي المتعمَّدة المقصودة.