للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نال الشهادة في الفلسفة قبلي بسنة واحدة، وهو في مثل سني، ولكنه يدّعي أن عمره ست وخمسون سنة فقط (١)!

وكنا قد تعلمنا أن الفلسفة كانت قديماً «تَحضُن» العلومَ كلها، لمّا كانت العلوم كالأطفال في سن الحضانة، فكلما كبر علم و «بلغ» سن الرشد استقل عنها. وكانت مناهج الفلسفة التي درسناها فيها علم النفس والأخلاق والاجتماع والمغيَّبات (ما وراء الطبيعة، أي الميتافيزيك)، وعلم الجمال وعلم المنطق بقسمَيه، الصوري اليوناني والفكري.

أي أن الفلسفة كانت على أيامنا مثل بريطانيا التي كانت العظمى، فكبرت تلك العلوم فاستقلت وصَغُرَت هي وقَلَّت، حتى لم يبقَ فيها إلا مباحث (ولا أقول علم) ما وراء المادة (الميتافيزيك)، كما أنه لم يبقَ لبريطانيا التي كانت تحكم ربع سكان الأرض من ربع قرن إلا لندن وضواحيها، لأن أيرلندا لا يريدها أكثرها، وإسكتلندا لها تاريخها المغاير لها، وويلز (حتى ويلز) تنطق -كما سمعنا- بغير لغتها.

إذن ... إذن أنا فيلسوف حقاً ما دام رئيس التحرير -وهو حجة في معرفة الرجال- قد رآني أهلاً للكتابة في الفلسفة، وما دمت أحمل شهادة في الفلسفة مَرَّ عليها أربعون سنة، ولم يبقَ عليّ لأستكمل شروط الفلسفة كلها إلا أن أُطيل شعر رأسي وأركب على حمار أبيض، كما فعل الشاعر الزهاوي لمّا عمل


(١) كان عمر جدي يومها سبعاً وخمسين، رحمه الله ورحم المحاسني (مجاهد).

<<  <   >  >>