تفكر في الناس كلهم إلا نفسك وتحدثهم جميعاً إلا إيّاها؟
تقول:«أنا»، فهل خطر على بالك مرة واحدة أن تسأل:«ما أنا»؟ هل جسمي هو «أنا»؟ هل «أنا» هذه الجوارح والأعضاء؟ إن الجسم قد ينقص بعاهة أو مرض، فتُبتَر رجل أو تُقطَع يد، ولكن «أنا» لا يصيبني بذلك نقصان! فما «أنا»؟
ولقد كنت يوماً طفلاً ثم صرت شاباً، وكنت شاباً وصرت كهلاً، فهل خطر على بالك أن تسأل: هل هذا الشاب هو ذلك الطفل؟ وكيف؟ وما جسمي بجسمه ولا عقلي بعقله، ولا يدي هذه يده الصغيرة، فأين تذهب تلك اليد؟ ومن أين جاءت هذه؟ وإذا كانا شخصين مختلفين فأيهما أنا؟ هل أنا ذلك الطفل الذي مات ولم يبقَ فيّ من جسده ولا فكره بقية؟ أم أنا الكهل الذي يُلقي هذا الحديث؟ أم أنا الشيخ الذي سيأتي على أثره بجسمه الواني وذهنه الكليل؟ ما «أنا»؟
وتقول:«حدّثت نفسي» و «نفسي حدّثتني»، فهل فكرت مرّةً ما أنت وما نفسك، وما الحد بينهما، وكيف تحدثك أو تحدثها؟ (١)
وتسمع الصباحَ جرس الساعة يدعوك إلى القيام، فقد حان موعد الصلاة، فتحس من داخلك داعياً يدعوك إلى النهوض، فإذا ذهبت تنهض ناداك منك مُنادٍ أنْ تريَّثْ قليلاً واستمتع بدفء الفراش ولذة المنام. ويتجاذبك الداعيان: داعي القيام وداعي المنام. فهل
(١) في كتاب «تعريف عام بدين الإسلام» حاشية طويلة في فصل «بين يدي الكتاب» توسّعَ فيها علي الطنطاوي في هذه المعاني، فمن شاء فليرجع إليها (مجاهد).