ونظرت القبة، فلما أبصرته قالت: قد رأيت «مئات» مثله تجيء وتروح ولم تبدل شيئاً، فهذا النخيل قائم حولي كما كان، والشمس تطلع عليّ كل يوم وتغيب، والنجوم تسطع فوقي كل ليلة، والأرض تنتظرني تريد أن أهرم فتجذب أحجاري إليها وتأكلني، وكل شيء على حاله، لم يتبدل إلا الإنسان: كان الخليفةُ يمشي تحتي ويخطر بين أساطيني في حلل المجد وأردية الجلال، إنْ أمَرَ أطاعت الدنيا وإنْ نادى لبّى الدهر وإن مال مالت الأرض، وكان الناس يطيفون بي أجلّة أمجاداً، عباداً أذلاء لله وملوكاً أعزّة على الناس، فأصبحت وحيدة منعزلة، لا أرى إلا هذه الفئات من العامة المساكين الذين تعرّوا من كل جاه إلا جاه العبادة ومجد إلا مجد الآخرة، فما لي وللعام الراحل؟
وأغمضت عينيها وعادت تحلم، ولم تكترث!
وتنبهت «دجلة» ونظرت، فلما رأته قالت: قد رأيت «ألوفاً» مثله تمرّ في هذا الطريق، فلم تعمل في الكون شيئاً ولم تغيّر إلا الإنسان، كانت تقوم على شاطئيّ القصور الفخمة، تتوّج هامَها العظمةُ، ويَحُلّ أرجاءها الجلالُ، ويمثل في أبهائها المجد، ويقف على بابها التاريخ يصدر عنها ويكتب حديثها، وتنبثق منها أشعة الحضارة والفن، وتسطع منها أنوار العلم والأدب، وتومض في شرفاتها وأروقتها العمائمُ التي كانت على أشرف رؤوس وأحفلها بالفضائل والعلوم ... فلم يبقَ من هذا كله إلا