للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحسن إليها وتسيء إليّ، حتى ضقت باحتمالها ذرعاً فطلقتها ثلاثاً وثلاثين.

قلنا: إنها تَبين منك بثلاث، فعلامَ الثلاثون؟

فقال على الفور: صدقةً مني على الأزواج المساكين!

وطال بنا الطريق إلى تبوك وملّ القوم، فجعلوا يسألونه عن تبوك ويكثرون عليه، يتذمرون من بُعدها، حتى إذا أكثروا قال لهم: ما لكم تلومونني على بعدها؟ والله لم أكن أنا الذي وضعها هناك.

ولم يكن صْلَبي يعرف المدن ولم يفارق الصحراء قطّ إلا إلى حاضرته تبوك (وتبوك لا تزيد عن خمسين بيتاً) فلما بلغنا مشارف الشام أغريناه بالإبلاد (١) ودخول المدينة، وجعلنا نصف له الشام ونشوّقه فيتأبى، وكنت صفيَّه من القوم وخليله ونَجِيَّه، فجعلت أحاوله وأداوره وبذلت في ذلك الجهد، فلم أصنع معه شيئاً لِمَا استقرّ في نفسه من كراهية المدن وإساءة الظن بأهلها، وكان عربياً حراً ومسلماً موحداً، لا يطيق أن يعيش يوماً تحت حكم «الروم» (٢) أو يرى مرة مظاهر الشرك.

فودّعناه وتركناه.

* * *


(١) أبلد: دخل البلد، كأنجد وأبحر وأصحر، ومثلها أصبح وأمسى وأظهر.
(٢) كانت الشام يومئذ في أيدي الفرنسيين (مجاهد).

<<  <   >  >>