للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصيحة فازددت لصوتي إنكاراً، واستخفّني الطرب، فجعلت أغني وأحدو، فقال صاحبي: لعلك استطبت صوتك؟

قلت: إي والله.

قال: أفأدلّك على باب القاضي؟

قلت: وما أصنع في باب القاضي؟

قال: ألا تعرف قصة جحا؟

قلت: لا والله، ما أعرف جحا ولا قصته.

قال: كان جحا عالماً نحريراً وأستاذاً كبيراً، لكن كان فيه فَضْلُ نادرة وكان خفيف الروح، فدخل الحمام مرة فغنى فأعجبه صوته (وكان أقبحَ رجلٍ صوتاً) وراقه حُسْنُه، فخرج من فوره إلى القاضي فسأله أن ينصبه مؤذناً، وزعم أن له صوتاً لا يدخل أُذناً إلا حمل صاحبها حملاً فوضعه في المسجد. فقال القاضي: اصعد المنارة فأذِّن نسمعْ. فلما صعد فأذَّن لم يبقَ في المسجد رجل إلا فرَّ هارباً. فقال له القاضي: أي صوت هذا؟ هذا هو الصوت الذي ذكره ربنا في الكتاب! (١) قال: أصلح الله القاضي، ما يمنعك أن تبني لي فوق المئذنة حمّاماً؟!

ولمح الأعرابي صديقاً له من أعراب نجد قد مرّ من أمام القهوة، فقطع عليّ الحديث وخرج مهرولاً يلحق به.

* * *


(١) في قوله تبارك وتعالى: {إنّ أنكَرَ الأصْوَات ...} (مجاهد).

<<  <   >  >>