قال المتيطي وابن فتّوح: ولا ينفع الاسترعاء إِلا مع ثبوت إنكار المطلوب، ورجوعه فِي الصلح إلى الإقرار، فإن ثبت إنكاره وتمادى عَلَيْهِ فِي صلحه لَمْ يفد استرعاؤه شيئاً إن لَمْ تقم بينة تعرف أصل حقّه، وقول العوام صلح المنكر إثبات لحقّ الطالب جهل، وقول الموثق فِي الصلح: تساقطا الاسترعاء، والاسترعاء فِي الاسترعاء حسن؛ لأنه إِذَا استرعى أحد المصالحين حيث يجب له الاسترعاء، وقال فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بقطع الاسترعاء فإنما يفعل ذلك لإظهار حقّه ويستجلب به إقرار خصمه ورجوعه عن إنكاره، فيكون له حينئذ القيام بالاسترعاء، ولا يضره ما انعقد عَلَيْهِ من إسقاط البينات المسترعاة، ونفعه الاسترعاء فِي هذا، وإن لَمْ يذكر فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بإسقاط البينة المسترعاة، فهو راجع عن ذلك قطع ما انعقد فِي كتاب الصلح من إسقاطه لها قيامه بالاسترعاء.
فإذا قلت: أنّه قطع الاسترعاء، والاسترعاء [في الاسترعاء](١)، ثُمَّ استرعا وقال فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بإسقاط البينات المسترعاة فإنما يفعل ذلك ليستجلب به إقرار خصمه لَمْ [ينتفع بهذا الاسترعاء إذ الاسترعاء فِي الاسترعاء، زاد المتيطي وقاله غير واحدٍ من الموثقين وفِيهِ تنازع، والأحسن فِي هذا كلّه أن يقر أن كل بينة تقوم له بالاسترعاء فهي ساقطة كاذبة، وإقراره أَيْضاً أنّه لَمْ يسترع ولا وقع بينه وبينه شيء يوجب الاسترعاء، فإن ذلك يسقط دعواه ويخرج به الخلاف إن شاء الله تعالى؛ لأنه يصير مكذباً لبينته ومبطلاً لها، وهذا من دقيق الفقه ". انتهى.
وقد سبق ابن محرز إلى إنكار ما يجري عَلَى ألسنة العوام من أن: صلح المنكِر إثبات لحقّ الطالب.
وقال ابن رشد فِي أول سماع ابن القاسم من كتاب العتق: وللتحرز من الخلاف يكتب فِي كتب الاصطلاحات أي فِي رسوم الصلح، وأسقط عنه الاسترعاء والاسترعاء فِي الاسترعاء، ومن الكُتّاب من يزيد ما تكرر وتناهى ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو: أن