قوله:(وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ) شمل ما تراد له الزرع والمقاثي والبقل وغيرها من جنس ما زرع فيها الغاصب ومن غير جنسه، وهذا خلاف ما لأصبغ فِي " نوازله " من كتاب: كراء الأرضين، وخلاف ما حمل عَلَيْهِ عبد الحقّ وغيره لفظ " المدونة " من أن المراد بالإبان إبان ما زرع فيها الغاصب خصوصاً؛ مَعَ أنّه اقتصر عَلَى ذلك فِي " التوضيح "(١)، ولعله اعتمد هنا عَلَى قول ابن رشد فِي " نوازل " أصبغ المشار إليها: القياس أن يكون له قلعه بعد خروج إبان الزرع إِذَا كانت الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لَمْ يقصد الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وإنما رغب فِي الانتفاع بأرضه للمقاتي أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع.
وقد يدلّ عَلَى ذلك قول ابن الماجشون فِي " المجموعة " عن مالك، وقول المغيرة: إِذَا أسبل الزرع فلا يقلع؛ لأنه من الفساد العامّ للناس، ويمنع من قلعه ذلك كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل والحرث من البقر وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إِذَا كَانَ يقلع عندهما ما لَمْ يسبل، ولا شكّ فِي أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسبل الزرع بكثير فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إِلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض فِي أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل ... وما أشبه ذلك.
وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك: أن له أن يقلع الزرع، سواءً قدر أن يزرع أم لا، والأول أحبّ إلينا، وظاهر قوله: أن له أن يقلع الزرع وإِن لَمْ يقدر أن يزرع فِي الأرض شيئاً أصلاً، ومعنى ذلك عندي إِذَا كَانَ ينتفع بذلك بحمام أرضه [١٠٢ / ب] أو لوجهٍ من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إِذَا لَمْ يكن له بذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد للإضرار،
(١) انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: ٩/ ٢٦٥ وما بعدها.