للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ) قد يتبادر من لفظه أن التأولين راجعان للدوران ومفرعان عليه، وإنما هما فِي وجه منع النفل فِي السفينة إيماءً حيثما توجّهت به؛ وذلك أنه قال فِي " المدوّنة ": ولا يتنفل فِي السفينة إيماءً وحيثما توجهت به مثل الدابة (١). فتَرَدُّدٌ الشيوخ فِي السبب الذي من أجله منع لك هل لكونه يصلي إيماءً؟ أو لكونه يصلي حيث ما توجهت به.

قال عبد الحقّ فِي " التهذيب ": ذكر عن ابن التبان (٢) أن ذلك لمن يصلّي إيماءً كما شرط، فأما من يركع ويسجد فيجوز له أن يصلي حيثما توجهت به، وخالفه أبو محمد وقال: ليست كالدابّة ولا يتنفل فيها إلا إِلَى القبلة وإن ركع وسجد. انتهى.

وقد خرج منه أن التأويلين متفقان عَلَى أنه لا يجوز فِي مذهب " المدوّنة " التنفل فِي السفينة إيماءً، وقد صرّح بذلك الشارمساحي فقال: وفِي التنفل فِي المركب إِلَى غير القبلة [للضرورة] (٣) قَوْلانِ؛ لكن عَلَى الجواز لابد أن يسجد بخلاف الدابة فإنه يوميء. انتهى. وعبارة المصنف هنا تنبوا (٤) عن هذا، فمن اغترّ بلفظه ولَمْ يأخذ العلم من أصوله فهم الشيء عَلَى غير وجهه.

وقد يمكن ردُّ كلامه إِلَى الصواب، بصرف التأويلين لمجرد المنع المدلول عليه بقوله: (لا سفينة). فتدبره (٥). وبالله تعالى التوفيق.

وبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا كَالرَّاكِبِ إِلا لالْتِحَامٍ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ، وإِنْ لِغَيْرِهَا، وإِنْ أَمِنَ أَعَادَ الْخَائِفُ بِوَقْتٍ، وإِلا لِخَضْخَاضٍ لا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ، فَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالأَرْضِ فَلَهَا، وفِيهَا كَرَاهَةُ الأَخِيرِ.


(١) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: ١/ ٢٩٢.
(٢) هو: عبدالله بن إسحاق، المعروف بابن التبان، عالم القيروان، كان من أحفظ الناس للقرآن والتفنن في علومه، والكلام على أصول التوحيد، توفي سنة ٣٧١ هـ، انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء، للذهبي: ١٦/ ٣١٩، والديباج المذهب، لابن فرحون ص: ١٣٨.
(٣) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن ٣).
(٤) في (ن ٣): (تنبيء).
(٥) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: ١/ ٢٥١، والتفريع، لابن الجلاب: ١/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>