للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شبيبته، وكهولته صوارم الاجتهاد وشحذ مداه، حتّى طبّق مفصل الحمل وأدرك من العلم غايته وبلغ مداه. فقيّد بخطّه من العلم شوارده، وثقفها حتّى حمد الغادي والرّائح مصادره وموارده، فرأس بعد ما درس، وأحيا بمعرفته ما ذهب من العلم ودرس. وقد عوّل عليه في مشورته وفتاويه، فليس أحد من نظرائه يجاريه ولا يساويه. بذّ (أقرانه) في حفظ المتون والنّصوص، فهو فذّ على العموم والخصوص.

وأمّا طرق الحديث ومعرفة رجاله، فليس أحد يتصرّف فيها تصرّفه ولا يجول كمجاله. قد أتقن ذلك الباب وأحكم طرائقه، وتربّى بمحاسن جمّة وآداب رائقة.

وكان (١) في أول أمره يعقد الوثائق بمالقة. وكان مع ذلك لا يفتر عن الدرس والنظر. ويحكى عنه أنه كان أيام الفتنة بمالقة ربما طلب بالمبيت في السور أو نحو ذلك مما يجمع الناس إليه، فكان لا يفارق كتابه ولا يفتر عن درس دولته.

ولم يزل على اجتهاده وهو إمام يرحل إليه حتى توفي .

وكان (قد) وظف على نفسه وظائف من الكتب التي كان يحفظ. يستظهرها حتى يختمها.

وحدثني الطبيب أبو محمد بن الفخار، وهو قريبه، قال: سافرت مع خالي أبي عبد الله من مالقة إلى مراكش حين استدعي إليها، وكان ذلك في فصل الشتاء، وصادفنا الأمطار والأوحال، فكان مع ذلك لا يفتر عن القراءة ليلا ولا نهارا، مستظهرا من حفظه. وسمعته ليلا وقد ختم ودعا، فتوهمت أنه ختم القرآن، فكلمته في ذلك، فقال: ختمت كتاب الموطأ (٢).

ولد في التاسع من رجب عام أحد عشر وخمسمائة. واستدعاه أمير المؤمنين المنصور أبو يوسف إلى حضرة مراكش في عام ثمانين وخمسمائة. وتوفي بمراكش في السابع عشر من شعبان المكرم سنة تسعين وخمسمائة.

حدث عن الأستاذ أبي مروان بن محمد، وعن الفقيه الخطيب أبي محمد عبد الغفور، وعن الفقيه الزاهد أبي عبد الله بن معمر، وعن أبي مروان بن مسرة، / وعن الإمام أبي بكر بن العربي، وعن الشريف أبي عبد الله القرشي


(١) و (٢) وردت هذه الفقرات في الذيل والتكملة ٩٠/ ٦ نقلا عن ابن عسكر، مع تقديم وتأخير.

<<  <   >  >>