للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إمَّا بالكُفْر، وإمَّا بدُعاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُباعِد بين أسفارِهم فلم يَقبَلوا نِعْمته بهذه الراحةِ [{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} لَمِنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} فَرَّقْنَاهُمْ فِي الْبِلَادِ كُلَّ التَّفْرِيقِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المَذْكُورِ {لَآيَاتٍ} عِبَرًا {لِكُلِّ صَبَّارٍ} عَنِ المَعَاصِي {شَكُورٍ} عَلَى النِّعَمِ].

قوله تعالى: {أَحَادِيثَ} جَمْع حَديثٍ، وهو ما يَتَحدَّث الناس به، يَعنِي أنهم بَعْد أن كانوا مَوْجودِين صاروا خَبَرًا من الأخبار؛ إذ إن قصصهم كانت أحاديثَ للناس يَتَحدَّثون بها، يَقول: حصَلَ كيت وكيت؛ ولهذا مِن الأمثال المَعروفة: تَفرَّقوا أَيادِيَ سَبَأ (١)؛ يَعني: أنهم تَفرَّقوا كتَفرُّق سَبَأ، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} بعد أن كانوا أَشياءَ حَقيقيَّةً ثابِتة صاروا أَحادِيثَ، وهذا قول الشاعِر:

بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخْبِرًا ... حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنَ الْأَخْبَارِ (٢)

وقوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} يَعنِي: فَرَّقْناهم في البِلاد كلَّ مُفرَّق وشُرِّدوا وتَشتَّتوا؛ لأنهم كفَروا النِّعْمة وظلَموا أَنفُسَهم.

قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} الإشارةُ تَعود إلى كل ما سبَق، من هذه القُرَى الظاهِرة وسُهولة السفَر، ثُم سُؤالهم أن يُباعِد الله تعالى بين أَسفارِهم، ثُم تمَزِيقهم في البِلاد كل مُمزَّق.

وقوله تعالى: {لَآيَاتٍ} أي؟ لعِبَرًا، كيف قال آياتٍ وهي قِصَّة واحِدة؟

الجوابُ: لكنها تَشتَمِل على أجزاء، كل جُزْءٍ منها يَستَحِقُّ أن يَكون آيةً.


(١) انظر: المستقصى في أمثال العرب للزمخشري (٢/ ٨٨).
(٢) البيت لعلي بن محمد التهامي يرثي صغيرًا له، انظر: تاريخ دمشق (٤٣/ ٢٢٢)، فوات الوفيات للكتبي (٢/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>