وقوله عَزَّ وَجَلَّ:{فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ} أيِ: الجزاء المُضاعَف: الحسَنة بعَشَرة أمثالها إلى سَبْع مئة ضِعْف إلى أضعاف كثيرة.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى:{بِمَا عَمِلُوا}: (مَا) يُحتَمَل أن تَكون مَصدريةً، وأن تَكون مَوْصولةً، فإن كانت مَوصولةً فعائِدُها محذوف، والتَّقْدير: بما عمِلوه، وإن كانت مَصدرِيَّة فلا حاجةَ إلى عائِد، وَيكون التقدير:{بِمَا عَمِلُوا}، أي: بعمَلهم، والباء هُنا للسبَبية؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بعَمَلِهِ"، قالوا: ولا أَنتَ يا رسولَ الله؟ قال:"وَلَا أنَّا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَتِهِ"(١)؛ وهنا قال عَزَّ وَجَلَّ:{جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} ولا مُنافاةَ؛ لأن الباء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" باء المُعاوَضة التي هي كقولك: بِعْتُ هذا الثوبَ بدِينار.
وأمَّا الباء في قوله عَزَّ وَجَلَّ:{بِمَا عَمِلُوا} فهي باء السبَبية أي: أن الله عَزَّ وَجَلَّ جعَل العمَل سببَ دُخول الجَنَّة، ولم يَجعَلِ الجنَّة عِوَضًا عن العمَل، بل العمَل سبَبُها.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِمَا عَمِلُوا} أي: جزاء العمَل الحَسَنة بعَشْر أمثالهِا] الحسَنة مثَلًا بعَشْر [فأَكثَرَ {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} من الجنَّة {آمِنُونَ} من الموت وغيره، وفي قِراءة (الغُرْفةِ)، قِراءة سَبْعية؛ لأن قاعِدة المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ إذا قال:(فِي قِراءةٍ) فهي سَبْعية، وإذا قال رَحِمَهُ اللهُ:(قُرِئَ) فهي شاذَّة،
(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.