للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِنهم مَن يُضيِّقه له، فالمُراد بالعِباد إِذَنِ العُبودِية العامَّة، وقد سبَقَ أيضًا أن العُبودِيَّة تَنقَسِم إلى: عامَّة، وخاصَّة، فالعامَّة التي تَشمَل جميع الخَلْق، والمُراد بها العُبودِيَّة الكَوْنِيَّة، التي قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عنها: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣]، وأمَّا الخاصَّة فهي عُبودية الطاعة الشَّرْعية، وهي التي قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فيها: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣].

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ عِبَادِهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [امْتِحَانًا] يَعنِي: اختِبارًا يَختَبِره هل يَشكُر أَمْ يَكفُر، ولهذا قال سُلَيْمانُ عَلَيه السَّلامُ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: ٤٠] حين رَأَى عَرْش بَلقيسَ حاضِرًا بين يَدَيْه في هذه المُدَّةِ الوجيزةِ، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: ٣٥]، يَعنِي: ابتِلاءً واختِبارًا، وكم مِن إنسان كان في حالِ الفَقْر أَصلَحَ ممَّا كان بعد الغِنى! وكم مِن إنسان بالعَكْس إذا كان فقيرًا ومُسرِفًا على نَفْسِه فلمَّا أَغْناه الله تعالى هَداه الله عَزَّ وَجَلَّ! .

وقوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} حَسبَ ما تَقتَضيه الحِكْمة قال تعالى: {وَيَقْدِرُ لَهُ}: {لَهُ} هل يَعودُ على المَبسوط له أو يَعود على مَن يَشاءُ؟

الجوابُ: أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ ذكَر فيه المَعنيَيْن، و (يَقدِر) أي: يُضيِّق له بعد البَسْط؛ يَعنِي أنه عَزَّ وَجَلَّ يَبسُط الرِّزْق لمَن يَشاءُ، ثُم يُضيِّق عليهم، ليَبلُوَهم ويُعطِيَ النِّعَم، ثُم يُزيلها امتِحانًا واختِبارًا، يَمُنُّ الله عَزَّ وَجَلَّ على الإنسان بالأولاد فيَموتون، وبالمال فيَفنَى، وهذا تَضييق بعد البَسْط، أو أنَّ المَعنَى يَبسُط يَقدِر له، أي: لمَن يَشاءُ لا لهذا الذي كان مَبسوطًا له الرِّزْق، لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبسُط الرِّزْق لقَوْم وَيقدِره لآخرين.

<<  <   >  >>