للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ} يَقول رَحِمَهُ اللهُ: [هُوَ مُحَمَّدٌ] لكنهم قالوه بالتَّنكير على سبيل التَّحقير لم يَذكُروه باسمه؛ لأنَّ ذِكْر الشخص باسْمِه قد يَعني تَعلية مَنزِلته، ولكنهم قالوا بهذا اللَّفظِ المُنكَر تَحقيرًا له [{يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} وقُطِّعْتُمْ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} بِمَعْنَى: تَمْزِيقٍ] {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا ما يُنبّأ به يَقول: {يُنَبِّئُكُمْ} أي: يُخبِرُكم، فالنَّبأ بمَعنَى الخَبر، وقد يَكون النَّبأ في الأشياء الهامَّة والخبَر في ما هو أعَمُّ، فتُخبِرُ عن الشيء الهامِّ وعن الشيء الحَقير، ولكنك لا تُنْبئُ إلَاّ بشيءٍ عظيم، كقوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: ١ - ٢] وقال تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: ٦٧ - ٦٨]، فالنَّبأ قد يُستَعمَل في الأشياء العَظيمة بخِلاف الخبَر فإنه يَكون أَعمَّ.

وقوله رَحِمَهُ اللهُ: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [إِذَا قُطِّعْتُمْ] يَعنِي: تمَزيق الأرض لِلُحوم البَشَر، فإن الإنسان إذا دُفِن مَزَّقته الأرض وقطَّعته وصارَت عِظامه الصُّلْبة رميمًا: فهُمْ يَقولون: إنه {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: بمَعنى تَمزيق.

وعلى هذا فكلِمةُ {مُمَزَّقٍ} مَصدَر، لكنه مَصدَرٌ مِيميٌّ.

وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا هو مَحَلُّ النَّبأ، وهو في مَحَلّ نصبٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفعولَيْ يُنبِّئكم الثاني والثالث.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا مُزِّقْتُمْ} كلِمةُ {إِذَا} ظَرْفية مُتعلِّقة بشيءٍ مَحذوفٍ يَدُلُّ عليه السِّياق؛ لأنَّ إنباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس في وقت تَمزيقهم، ولكنه أَنبَأَهم في الحياة الدنيا: أنما تَمزيقهم إذا دُفِنوا، يَعنِي أنكم إذا دُفِنْتم ومُزِّقتم تَكونون في خَلْق جَديدٍ، وهذا الخَلْقُ الجديد هو البَعْث، وهل البَعْثُ إعادة لما مَضَى، أو ابتِداء خَلْق غير الأَوَّل؟

<<  <   >  >>