للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجوابُ: بلى؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أيِ: المَنظور من ما بين أيدينا وما خَلْفَنا من السَّماء والأَرْض {لَآيَةً} أي: علامة على قُدْرة الله وعلى عِلْمه وحِكْمته، لكنَّ هذه الآيةَ ليسَت آيةً عامَّة لأَحَدٍ، بل: {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {عَبْدٍ} مَأخوذ من العُبودية وهي التَّذلُّل، وقد سبَق لنا أن التَّذلُّل نَوعانِ: تَذلُّل للأَمْر الشَّرْعيِّ، وتَذلُّل للأَمْر الكَوْنيِّ، وأَيُّهما المَحمودُ المُثابُ عليه؟

الجوابُ: التَّذلُّل للأَمْر الشَّرْعيِّ، أمَّا التَّذلُّل للأَمْر الكَوْنيِّ فإنَّ هذا لا طاقةَ للإنسان به، ولا يُحمَد عليه، فكَوْن الإنسان يَذِلُّ لأَمْر الله تعالى الكونيِّ من مرَض أو فَقْر أو موت أَهْل أو ما أَشبَهَ ذلك، هل يُحمَد عليه؟

الجوابُ: لا يُحمَد عليه؛ لأنه ليس من فِعْله، لكن كونه يَذِلُّ لأَمْر الله تعالى الشَّرعيِّ فيَقوم بشَرْع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى هذا هو الذي يُحمَد عليه، هنا المُراد بـ (العَبْد) المُتذَلِّل للأَمْر الشَّرْعيِّ، بدليل قوله تعالى: {مُنِيبٍ} أي: راجِع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من مَعصيته إلى طاعته، فيَشمَل القائِم بالعِبادة ولو بِدون أن يُذنِب، وَيشمَل التائِبَ من الذَّنْب.

فإنَّ الرجُل إذا قام يُصلِّي يَتعَبَّد لله يُقال: إنه أَناب إلى الله تعالى. وإذا أَذنَبَ ثُم استَغْفَر وعاد يُقال: إنه أَناب إلى الله تعالى. أيضًا، فالإنابة هُنا تَشمَل الإنابة من ذَنْب فعَلَه فتكون بمَعنَى التوبة، وتَشمَل الإنابةُ إلى الله تعالى القِيامَ بطاعَته فتكون أَشمَلَ وأَعَمَّ.

<<  <   >  >>