للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتَلْيِين الحديد له، وتَوْجيهه كيف يَصنَع هذه الدُّروعَ قال تعالى: {وَاعْمَلُوا} [أيْ: آلَ دَاوُدَ مَعَهُ].

وقوله تعالى: {وَاعْمَلُوا} كيف عَدَل عن ضَمير المُفرَد: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} إلى ضَمير الجمْع {وَاعْمَلُوا صَالِحًا}؛ لأنَّ تَقدير السَّرْدِ خاصٌّ بداوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، والعمَلُ الصالِحُ عامٌّ له ولغيره، فوجَّهَ الخِطاب إلى جميع آل داوُدَ عليْهِ السَّلام قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا}.

وقوله تعالى: {صَالِحًا} هو صِفة لمَوْصوف مَحذوف، والتَّقديرُ: عمَلًا صالِحًا، والعمَلُ الصالِح ما جمَع وَصْفين: الإخلاص لله تعالى، المُوافَقة لشَريعته، فلا بُدَّ فيه من هَذَيْن الشَّرْطين، فإن فُقِد الإخلاصُ فليس بصالِحٍ لوُجود الشِّرْك؛ وقد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث القُدسيِّ: "أنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ترَكته وَشِرْكَهُ" (١).

والشَّرْطُ الثاني: المُوافَقة لشريعة الله تعالى، فإن لم يُوافِقْ شَريعة الله تعالى فإنه ليس بصالِح ولا يُقبَل؛ والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (٢)، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، فلا بُدَّ لقَبول العمَل الصالِح من هَذين الشَّرْطين.

وقوله تعالى: {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} هذه الآيةُ فيها تَقديمٌ وتَأخيرٌ، فقوله تعالى: {بَصِيرٌ} هو المُؤخَّر، والمُقدَّم المَعمول، فإن قُلْتَ: من القَواعِد المُقرَّرة أنَّ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور (١٧١٨)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>