للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن العاجز حتى استفتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يبذلون الحج عن الغير وهم لا يعلمون جواز ذلك؟ فإذا كانوا إنما بذلوا الحج عن الوالد بعد الفتوى، والوجوب متقدم على الفتوى= عُلِم أن هذا البذل لم يكن هو الموجِبَ للحج، ولا شرطًا في وجوبه؛ لأن الشرط لا يتأخر عن حكمه، وصار هذا كما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيتَه؟ اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء». رواه البخاري (١).

وكذلك حديث بُريدة في التي قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها»، قالت: إنها لم تحج قطُّ أفأحج عنها؟ قال: «حُجِّي عنها». رواه مسلم (٢)، إلى غير ذلك. وشبَّهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدين، ولم يكن البذل هو المقرر للوجوب.

وأيضًا فإن القوم إنما سألوه عن إجزاء الحج عن المعضوب، وعنه وقع الجواب، ولم يتعرَّض للوجوب بنفي ولا إثبات. وبالاتفاق لا يجب على الباذل أن يحج.

ونحن إنما استدللنا بحديث أبي رزين على وجوب العمرة، لأنه استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أداء ما وجب على أبيه لتبرأ ذمة الأب، فأمره أن يحج عنه ويعتمر، فعُلِم أن كلاهما (٣) كان واجبًا على الأب، وإلّا لم يحتجْ أن يأمره


(١) رقم (١٨٥٢).
(٢) رقم (١١٤٩).
(٣) كذا في النسختين. وهو أسلوب المؤلف، فإنه يلتزم الألف في «كِلا» في جميع الأحوال، كما تدلّ عليه مسوَّداته وكتاباته.