للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التضحية (١) بالجَذَع، فقال: «تَجْزِي عنك ولا تَجْزِي عن أحدٍ بعدك» (٢)، فلو كان الفسخ خاصًّا لهم لقال: «إذا طفتم بالبيت وبين الصفا والمروة فحلُّوا، وليس ذلك لغيركم»، ولم يؤخِّر بيان ذلك إلى أن يسأله بلال بن الحارث؛ فإنه بتقدير أن لا يسأله بلال كان التلبيس واقعًا. وهذا بخلاف قوله لسراقة لما سأله: أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «بل (٣) لأبد الأبد». فإن هذا الحكم كان معلومًا بنفس فعْلِه، وإنما أجاب السائل توكيدًا. ولما كانت هذه الأحاديث مقتضية لعموم الحكم وثبوته في حق جميع (٤) الأمة عارض أحمد بينها وبين حديث بلال بن الحارث، وحكم بشذوذه لما انفرد بما يخالف الأحاديث المشاهير.

والذي يبيِّن ذلك أن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين حدَّثوا بتلك الأحاديث (٥) إنما ذكروها لتعليم السنة، وبيانها، واتباعها، والأخذ بها، لم يكن قصدهم مجرد القصص. ولو كان الحكم مخصوصًا بهم لم يجزْ أن يرووها رواية مرسلة حتى يبيِّنوا اختصاصهم بها، فكيف إذا ذكروها لتعليم السنة؟! وهذا دليل على أنهم علموا أن هذه السنة ماضية فيهم وفيمن بعدهم، فلا يُردُّ هذا بحديث من لم يخبر قوة ضبطه وتيقظه، وتُدفع هذه السنن المشهورة المتواترة براوية غير معروف.


(١) في المطبوع: «الأضحية»، وهو خلاف ما في النسختين.
(٢) سبق تخريجه. وفي المطبوع: «تجزؤ»، خطأ.
(٣) «بل» ليست في س.
(٤) «جميع» ساقطة من المطبوع.
(٥) «الأحاديث» ساقطة من المطبوع.