للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناقلة؛ ولأن مالك في المطوطأ روى بسند صحيح عن فتوى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما يفيد ذلك. قال الإمام مالك: «وعلى هذا الأمرُ عندنا فيمن أحصر بغير عدو، وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري، وهبّار بن الأسود حين فاتهما الحج، وأتَيا يوم النحر، أن يَحِلا بعمرة، ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجان عاماً قابلاً ويهديان. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله» (١) ومن أدلتهم ما روي عن ابن عمر وابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من فاته عرفه بليلٍ فقد فاته الحج فليتحللْ بعمرة، وعليه الحج من قابل» (٢). ومن تحلل بعمرة للفوات وجب عليه أن يطوف ويسعى ويحلق كما يفعل في أي عُمرة أخرى لكن إن كان قد سعى بعد طواف القدوم لم يجب أن يسعى بعد طواف عمرة التحلل ولا حاجة لإعادة السعي هنا (٣).

وفي حق القارن الذي فاته الوقوف لا يتبدل الحكم الشرعي، فيتحلل كما يتحلل المفرد بطواف وسعي وحلق أو تقصير (٤)، لكنه في هذا الصورة تكون قد


(١) موطأ الإمام مالك، باب ما جاء فيمن أحصر بغير، برقم (١٠٨).
(٢) رواه الدارقطني، وقد نقل أستاذنا الدكتور نور الدين عتر تضعيفه في كتابه الحج والعمرة صـ ١٦٥، لكنّ التضعيف في نظري لا يضر؛ لأن مالكاً رواه في الموطأ بسند صحيح، وهو التصحيح الذي صرح به فضيلته.
(٣) مغني المحتاج للعلامة الشربيني صـ ١ صـ ٥٣٧.
(٤) عند الحنفية هذه المسألة لها خصوصية؛ لأنهم يطوفون في القران طوافين وسعيين أحدهما عن الحج، والآخر عن العمرة وهو ما دعاهم إلى التفصيل حيث قالوا: إن كان الحاج القارن الذي فاته الوقوف قد طاف قبل فوات الوقوف، فهو كالمفرد يتحلل بعمرة، أما إن لم يكن قد طاف فإنه يطوف ويسعى بعد الفوات عن عمرته أولاً، ثم يطوف ويسعى عن تحلله عن الحج بعمرة وقد سقط عنه الدم، لكن عليه قضاء حجه فقط؛ لأنه بطوافه وسعيه عن عمرته أبرأ ذمته منها، وبقيت ذمته ملتزمة بقضاء الحج الذي تحلل منه. انظر الحج والعمرة .. د. عتر فقرة صـ ١٦٦.
هذه هي صورة استثنائية لفوات العمرة؛ لأن العمرة في الأصل لا تفوت أبداً، لأنه لا وقوف فيها؛ ولأن زمنها ممتد، وتلحق بها صورة أخرى وهي فيما لو أُحصر المعتمر بالعدوّ عن المضي في نسكه وسيأتي بيان هذا بإذن الله.

<<  <   >  >>