للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دليل الشافعية قوله تعالى في الآية السابقة {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ (١) مَحِلَّهُ (٢)}، قالوا والخطاب لجميع الأمة، من مُخَلّى ومُحْصَر، لكن للمُخَلّى موضعه وهو الحرم وللمحصر مَحِلّه وهو المكان الذي أحصر فيه المحرم، إقتداء فعلياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي نحر وأصحابه حيث أُحصروا، وتحللوا في الحديبية في الحل وهي المنطقة المحاذية لأرض الحرم، لذلك قالها الفقهاء: لا يكفي الذبح بأرض من الحل غير موضع الإحصار (٣)، إشارة إلى أن الذبح يختص به الحرم إلّا في هذه المسألة، كما ذكر وأنه لا حاجة إلى إرسال الهدي إلى الحرم من موضع إحصار المحرم بدليل قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥]، والمعنى: محبوساً ممنوعاً من الوصول إلى البيت العتيق (٤)

الدليل الآخر هو عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث نحر الهدي، وأكمل تحلله بالحلق، دون أن يطلب بعث هديه إلى الحرم (٥)، فدل على وجوب الأمرين معاً.


(١) قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ ٢ صـ ٣٧٦: الهَديُ والهديُ لغتان، وهو ما يهدى على بيت الله من بدنة أو غيرها، والعرب تقول كم هَديُ بني فلان، أي كم إبلهم. وقال أبو بكر: سميت هدياً، لأن منها ما يهدى إلى بيت الله، فسميت بما يلحق بعضها
(٢) قال الإمام القرطبي في المرجع والجزء صـ ٣٧٧: «والمَحِلُّ الموضع الذي يحل فيه ذبحه، فالمحل في حصر العدو عند مالك والشافعي: موضع الحصر ... ».
(٣) حاشية العلامة إبراهيم الباجوري جـ ١ صـ ٤٩٤، حيث أضاف قوله: ولا يجوز نقل لحم الشاة لغير أهله إلّا للحرم إن تيسر، وكذلك لا يجوز نقل الطعام عند العجز عن الشاة لغير أهل محل الإحصار إلّا إلى الحرم، وأما الصوم فلا يتقيد بمكان. انظر صـ ٤٩٤ - ٤٩٥.
(٤) تفسير القرطبي جـ ٢ صـ ٣٧٧.
(٥) هذا يرد ما استشهد به السادة الحنفية من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣]؛ لأن السنة هي الشارحة والمخصصة والقاطعة بالفهم النبوي، فهو خير من يقضي في مواطن الخلاف، وقد رأينا أن الحديبية كما هومعهود إلى هذه الساعة باتفاق العلماء والعامة والقاصي والداني هي من الحل. على ضوء هذا =

<<  <   >  >>