للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بعد أن تكتمل حلقة التحلل بخطواتها الثلاث لنا أن نسال:

هل يقضي المحصر في عام قابل، ما منع من أدائه اليوم؟

الأصل في هذه المسألة أنه لا قضاء على المحصر في حج أو عمرةِ التطوع إن تحلل في الإحصار العام أو الخاص، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُحصر وأصحابه يوم الحديبية، وقد بلغوا ألفاً وأربعمائة نفس، ثم لم يعتمر منهم في العام التالي إلّا نفر يسير.

كما أن المصطفى صلوات الله عليه لم يأمرْ أحداً من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئاً ولا حفظ عنه ذلك بوجه من الوجوه، ولا قال في العام المقبل الذي أدى فيه عمرته:

إن عمرتي هذه قضاء عن العمرة التي حُصِرْت فيها، ولم يُنْقل ذلك عنه.

أما عن سبب تسمية العمرة هذه بعمرة القضاء فليس لأنها وقعت على جهة القضاء؛ لأن تسميتها الأخرى هي عمرة القضيَّة، وهما سواء، وما ذلك إلّا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشاً وصالحهم في ذلك العام على الرجوع عن البيت وقصده من قابل (١).


= نعلم أن الآية المذكورة لم يخاطب بها المحصر؛ بدليل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية، وهو ما يثبت ما قاله المفسرون من أن المخاطب بالآية، الآمن الذي يجدُّ طريقه وصولاً إلى البيت الحرام، أما الرواية التي استشهد بها الحنفية عن ناحية بن جندب صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ابْعَثْ معي الهدي فأنحْره في الحرم. قال: فكيف تصنع به؟ قال: أُخْرجُهُ في الأودية لا يقدرون عليه، فأَنطلقْ به حتى أَنحره في الحرم فقد قال فيها الإمام القرطبي بعد أن ساقها: «وأُجيب بأن هذا لا يصح، وإنما ينحر حيث حلّ، إقتداء بفعله - عليه السلام - بالحديبية، وهو الصحيح الذي رواه الأئمة؛ ولأن الهَدْي تابع للمُهِدي، والمهُدي حلّ بموضعه، فالمُهدَى أيضاً يحل معه». انظر تفسير القرطبي ح ٢ ص ٣٧٧.
(١) انظر مغني المحتاج للعلامة محمد الخطيب الشربيني جـ ١ صـ ٥٣٧، والجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي =

<<  <   >  >>