للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام القرطبي: » قلتُ: ولهذا قال بعض العلماء: في قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ما يدل على أن الخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -؛ لأن الخليفة لا أبداً إلا ثانياً. وسمعتُ شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر يقول:

إنما استحق الصدّيق أن يقال له ثاني اثنين لقيامه بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالأمر؛ كقيام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - به أولاً، وذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما مات ارتدّت العرب كلها، ولم يبق الإسلام إلَّا بالمدينة ومكة وجُوَاثا (١)؛ فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} (٢).

وربما المشهد الأخير من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعد كثيراً في اندفاع الأنصار إلى التنازل عن تقديم اسم أمير منهم ذلك أنه أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، ثم أفاق، فقال: أحضرتِ الصلاة؟ قالوا: نعم، قال: مُرُوا بلالاً فليُؤَذّن، ومُرُوا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس، ثم أغمي عليه، وتكرر الأمر بصلاة أبي بكر خمس مرات، ثم خرج متكأ على بريرة ورجل آخر، وصلَّى خلف أبي بكر، حتى قضى أبو بكر صلاته ثم إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُبض (٣).

إنّ قيمة الغار التاريخية تأتي من فضل من نزل فيه محتمياً وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الإنس والجن، والأولين والآخرين، وأبو بكر الصاحب الأمين، والرفيق الأبدي في مكة والهجرة والمدينة، والمدفن والبرزخ والقيامة والبعث والجنة التي أعدّها الله للمتقين.


(١) موضع بالبحرين.
(٢) تفسير القرطبي جـ ٨ صـ ١٣٤ - ١٣٥.
(٣) سنن ابن ماجه برقم ١٢٣٤.

<<  <   >  >>