للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ (١) إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.

رابعاً: قوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} الضمير في أصح القولين يعود على أبي بكر. قال ابن العربي: «وهو الأقوى؛ لأنه خاف على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من القوم؛ فأنزل الله سكينته عليه بتأمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسكن جأشه، وذهب روعه وحصل الأمن .. ».

ومن فضل أبي بكر الذي ترشد إليه هذه الآية مسألة الخلافة التي انتقلت إليه لفضله، الذي أطبقت الأمة عليه، ولتزكية هذه الآية على الخصوص، فقد اجتمع المهاجرون يتشاورون بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر. فقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير. فقال عمر - رضي الله عنه -: مَن له مثل هذه الثلاث {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِن اللَّهَ مَعَنَا} مَن هما؟ قال: ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة (٢).


(١) لا يتنافى حزن أبي بكر في الغار مع منزلته التي فاقت جميع الأصحاب، فليست من قبيل الجهل والنقص، وضعف القلب كما صوّره بعض أهل الجنوح. قال الإمام القرطبي: جـ ٨ صـ ١٣٤ .. وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص؛ كما لم ينقص إبراهيم حين قال عنه: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ} [هود: ٧٠]، ولم ينقص موسى قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ} [طه: ٦٧ ـ ٦٨] وفي لوط: {لَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت: ٣٣] فهؤلاء العظماء صلوات الله عليهم قد وُجدت عنهم التقيَّة نصاً، ولم يكن طعناً عليهم ووصفاً لهم بالنقص؛ وكذلك في أبي بكر. ثم هي عند الصدّيق احتمال، فإنه قال: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا). جواب ثان: إن حزن الصدّيق إنما كان خوفاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصل إليه ضرر، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت معصوماً، وإنما نزل عليه {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] بالمدينة».
(٢) نفس المرجع والجزء والصفحة.

<<  <   >  >>