للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغار عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال، يتوصل إليه بعد المرور من مدخل بين الحجرين يتسع بطول ٦٠ سنتيمتراً، بينما طول الغار نحو ٣ أمتار، أما عرضه فمتفاوت بين ١.٣٠ سنتيمتراً في أقصى ما يصل إليه، في ارتفاع لا يحتاج ٢ متراً، وبالتالي فلا يتسع لأكثر من شخصين يصليان أحدهما إمام والآخر مأموم، بينما نجد على اليمين مصطبة تتسع لشخص واحد يصلي جالساً (١).

كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتعبَّد الله فيه قبل البعثة، حيث حُبِّبَ إليه الخلاء، حتى صار يتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، فيرجع إلى أهله يزور خديجة، ويتزوّد لرحلة أخرى، إلى أن جاء المَلَكُ جبريل في الغار لأول مرة في تاريخ بعثته، وجرى بينهما سؤال وجواب، فأصاب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من ذلك هلعٌ وذعرٌ شديد من هذا الذي ظهر له في قمة الجبل يسأله ويضمه ثم يرسله ثم يسأله، وهكذا.

فالقيمة الدينية للغار تأتي من أنه مكان أقام فيه سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - زماناً في فترات متقطعة لم تتوقف، ومن حيث إنّ الوحي جبريل بدأ أول ما بدأ في هذا الغار، وأنّ القرآن الكريم نزل أو ما نزل فيه أيضاً (٢)، وأنه بهذا كله أحدث انعطافة قوية في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن بريد الوحي الإلهي جبريل منذ تلك اللحظة صار المؤنس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعاضد له بأمر الله صاعداً ونازلاً من السماء إلى الأرض، يتلو كتاب الله منجماً خلال ثلاثٍ وعشرين سنة بدأت بالغار في جبل النور، وانتهت بالوفاة في حجرة السيدة عائشة.


(١) هذه المعلومات مصدرها كتاب «تاريخ مكة المكرمة قديماً وحديثاً» د. محمد إلياس عبد الغني صـ ١٢٣ - ١٢٤.
(٢) في البخاري برقم (٤٩٢٤) عن جابر أن أول ما نزل من القرآن المدثر، وحمل العلماء ذلك على أن جابراً قال ذلك باجتهاد وليس هو من روايته، وقيل غير ذلك. انظر فتح الباري جـ ٨ صـ ٨٦٥.

<<  <   >  >>