للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

روى البخاريُّ في صحيحه عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت (١):

كان أوّلُ ما بُدِئَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (٢) الرؤيا الصادقة في النوم (٣)، فكان لا يرى رؤيا إلَّا جاءت مثل فَلَق (٤) الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء (٥)، (٦) فكان يلحقُ بغار حراءٍ فيتحنَّثُ فيه ـ قال: والتحنُّث: التعبُّد ـ الليالي ذواتِ العدد (٧)، قبل أن يرجع إلى أهله (٨)،


(١) قال الإمام ابن حجر العسقلاني: «قال النووي: هذا من مراسيل الصحابة؛ لأن عائشة لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من صحابي». [اهـ]. وتعقّبه من لم يفهم مراده فقال: إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف يجزم بأنها من المراسيل؟ !
والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يُدْرِك زمانها، بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة، بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرّح بذلك، ولا يختص هذا بمرسل الصحابي، بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة. وأما الأمور التي يدركها فيحمل على أنه سمعها أو حضرها لكن بشرط أن يكون سالماً من التدليس والله أعلم .. «. فتح الباري جـ ٨ صـ ٩١٥.
(٢) هذا تصريح من السيدة عائشة بأن البعثة لم تبدأ من الغار، وإنما بالرؤيا الصالحة التي سبقت حادثة الغار، بل هناك تسليم الحجر عليه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل ذلك أيضاً، لذلك قال في فتح الباري في الجزء والصفحة: «زاد في رواية عقيل كما تقدّم في بدء الوحي: «من الوحي» أي في أول المبتدآت من إيجاد الوحي الرؤيا، وأما مطلق ما يدل على نبوته فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر كما ثبت في صحيح مسلم وغير ذلك» .. ثم قال عن رواية أخرى مرسلة: «أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}: أرأيتُكِ الذي أحدّثك أني رأيته في المنام، فإنه جبريل استعلن».
(٣) أي التي ليست ضغثاً ولا من تلبيس الشيطان.
(٤) في اللغة: فَلَقَ الشيء شقّه، من باب نصر وضرب، والفَلَق الصبح.
(٥) قال في فتح الباري جـ ٨ صـ ٩١٦: «هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبّب إليه الخلاء .. ».
(٦) لخلاء المكان الخالي، ويطلق على الخَلْوة، وهو المراد هنا.
(٧) قال في فتح الباري: «وفي رواية ابن إسحاق أنه كان يعتكف شهر رمضان».
(٨) أي خديجة وأولاده منها، فالزوجة تسمّى أهلاً، وقد ورد ذلك في حديث الإفك، ويحتمل أن يراد بذلك أقاربه أو أعم.

<<  <   >  >>