«أما انقطاع الوحي بعد ذلك، وتلبُّثه ستة أشهر أو أكثر، على الخلاف المعروف فيه، فينطوي على مثل المعجزة الإلهية الرائعة. إذ في ذلك أبلغ الردّ على ما يفسّر به محترفو الغزو الفكري الوحي النبوي من أنه الإشراق النفسي المنبعث لديه من طول التأمل والتكرار، وأنه أمرٌ داخلي منبعث من ذاته نفسها».
«إن هذه الحالة التي مرّ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجعل مجرّد التفكير في كون الوحي إلهاماً نفسياً، ضرباً من الجنون، إذ من البداهة بمكان أن صاحب الإلهامات النفسية والتأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تأمّله بمثل هذه الأحوال.
إذن فإن حديث بدء الوحي على النحو الذي ورد في الحديث الثابت الصحيح، ينطوي على تهديم كل ما يحاول المشكّكون تخييله إلى الناس في أمر الوحي والنبوة التي أكرم الله بها محمداً عليه الصلاة والسلام.
وإذا تبيّن لك ذلك أدركت مدى الحكمة الإلهية العظيمة في أن تكون بداءة الوحي على النحو الذي أراده الله عزَّ وجلَّ» (١).
بهذه الكلمات النيّرة التي انساب بها حبر أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ذَوْداً عن الأساس الذي ينبثق منه الإيمان بكل مبادئ الإسلام أصوله وفروعه، على خلفية ظاهرة الوحي التي بدأت في غار حراء، أختم فصول هذا الكتاب ولساني يلهج بحمد الله وشكره على توفيقي في البحث والتصنيف لما أمدتني العناية الإلهية بإبرازه من شرائع هذه الفريضة الشامخة شموخ الإسلام في كل حين.
(١) «فقه السيرة»، فصل: بدء الوحي، لأستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، مقتطفات صـ ٩٧ - ١٠٠.