إذن، لا مطعن فيما أصابهم، وهم الذين تمتزج بكينونتهم طبيعة البشر، أمام مشهد لا مطمع فيه ليد واحدٍ منهم أن تمتد إليه بفعل من زيادة أو حذف، وهو ما حدا بعمر بن الخطاب أن يتساءل أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلمَ نرضى الدنيَّة في ديننا؟
لكنّ الإيمان الراسخ بداخلهم أقوى من سائر الزلازل التي تمتد إليه لتميد به، لذلك ما إن شاهدوا نبيَّهم - صلى الله عليه وسلم - ينحر إبله، ويدعو حالقه فيحلق له، حتى قاموا ينحرون الإبل، ويتحللون بالحلق، يحلق بعضهم لبعض، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً لحرصهم ومسارعتهم في تنفيذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وهكذا صحا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من الوجوم الذي خيم عليهم في الحديبية، على مزيد من الإيمان بالحكمة الإلهية، ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، حتى إنَّ عمر رضي الله عنه يذكر أنه ما يزال يصلي ويصوم ويتصدق ويعتق خشية أن يناله شيء من الذي استدرجه إليه ظاهر صلح الحديبية.
لقد ترسخ عندهم أن الحق ما جاء به الشرع وإنْ بدا للوهلة الأولى غير ذلك، وهو ما أورثهم يقيناً بالله وبرسوله وبكمال الشرع المطهر وصواب أحكامه وذلك فوق ما لديهم من يقين وإيمان حتى إنهم صاروا يتهمون رأيهم متحررين من غرور العقل حين يعمل على استعباد صاحبه في غفلة عن سلطان الله خالق الكون والإنسان ووسيلة الإدراك فيه هي العقل لا غير.
جاء في الصحيح أن سُهَيْلَ بنَ سعيد - رضي الله عنه - قال يوم صفين: «أيها الناس اتهموا