للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكر بن هوازن، فلم يبق منهن امرأة إلا وقد عرض المبارك عليها فتأباه إذا قيل لها: إنه يتيم، ثم أخذته هي «١» إذ لم تجد غيره، فرأته مدرجا في ثوب صوف أبيض يفوح منه المسك، وكان راقدا على قفاه، فهابت أن توقظه، فوضعت يدها على صدره فتبسّم ضاحكا، وفتح عينيه فقبّلته وأعطته ثديها الأيمن فقبله، وحوّلته إلى الأيسر فأبي؛ لأن الله ألهمه العدل وأعلمه أن له شريكا هو ابنها فترك له ثديها الأيسر، وكانت هى وناقتها في أشد الجوع والهزال وعدم اللبن، فبمجرد أن وضعته في حجرها أقبل (أى درّ عليه) ثديها فروى وروى أخوه، ودرت ناقتهم فأشبعتهم تلك الليلة لبنا، فلمّا أصبحت ودّعت أمه امنة وركبت أتانها، فلما خرجت مع قومها سبقت أتانها الكلّ بعد أن كانت لا تنهض بها، فأنكر صويحباتها أنها هي، فلمّا علمنها قلن: إن لها شأنا عظيما. ولما وصلوا منازلهم كانت أجدب أرض الله، فكانت غنم حليمة ترجع ملاى، بخلاف غنمهم، مع أنها كلها بمحلّ واحد، فلله درّها من بركة كثرت بها مواشي حليمة ونمت وارتفع قدرها به وسمت، ولم تزل حليمة تتعرف الخير والسعادة، وتفوز منه بالحسنى وزيادة، وقيل:

لقد بلغت بالهاشميّ حليمة ... مقاما علا في ذروة العز والمجد

وزادت مواشيها وأخصب ربعها ... وقد عمّ هذا السعد كلّ بني سعد

ولا يخفى أن قدوم نساء بنى سعد للرضعاء إنما كان لطلب الأجر على الرضاع.

قال السهيلى رحمه الله تعالى: والتماس الأجر على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر العرب، حتى جرى المثل «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» «٢» أى ولا


(١) حديث الرضاعة حديث مشهور، روته أغلب كتب السنة، منها أبو يعلي، وابن حبان في صحيحه.
(٢) قال الميدانى في مجمع الأمثال بعد كلام وقصة طويلة: « ... ثم ارتحل بها (أى بالزباء بنت علقمة بن خصفة الطائي) ، وهى من أجمل بنات العرب انذاك- إلى قومه؛ فبينما هو ذات يوم جالس- أى زوجها الحارث بن سليل؛ وكانوا قد زوّجوها له وهى كارهة؛ لأنه رجل مسنّ- وهى إلى جانبه، إذ أقبل إليه شباب يعتلجون؛ فتنفست صعداء، ثم أرخت عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لى وللشيوخ الناهضين كالفروخ! فقال لها: ثكلتك أمك «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» . فذهبت مثلا اهـ. ملخصا من مجمع الأمثال.