حيث يقول:«لا يزال الناس بخير ما تعجّب من العجب» ، هذا مع أن الشهر الذى ولد فيه صلّى الله عليه وسلّم، وهو ربيع الأوّل هو بعينه الشهر الذى توفّى فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى حسن القبول» .
وتعقّبه العلّامة الجلال السيوطى مؤلّف هذا الكتاب في فتاويه، فقال: أما قوله: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة؛ فيقال عليه: نفى العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له العلامة ابن حجر العسقلانى رحمه الله أصلا من السنة، وهو ما ثبت في الصحيحين من «أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجّى موسي، فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فقال: أنا أحق بموسى منكم»«١» فصامه وأمر بصيامه، قال: فيستفاد منه فعل الشكر لله تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات، كالسجود والصيام والتلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبى نبيّ الرحمة صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغى أن يتحرّى الوقت بعينه، فإن كان ولد ليلا فليقع الشكر بما يناسب الليل كالإطعام، وإن كان ولد نهارا (وهو الأصح) فبما يناسبه كالصيام والصدقة، ولا بد أن يكون ذلك اليوم بعينه من عدد أيام ذلك الشهر بعينه حتّى يطابق قصة موسى عليه الصلاة والسلام في يوم عاشوراء. ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالى بعمل المولد في أى يوم من الشهر، بل توسّع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه، وينبغى أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما ذكروا، أما السماع واللهو وغيرهما، فما كان مباحا لعين السرور بذلك اليوم، فلا بأس به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى. اهـ.
فيفهم من ذلك: أن أصل ابتداع عمل المولد الشريف مبنى على قاعدة الشكر، وعلي النعمة بإيجاد الذات المحمدية، الواسطة في خيرى الدنيا والآخرة، فلهذا خالفت هذه السنّة الحسنة اتخاذ يوم عاشوراء مأتما ومظهرا للحزن كما يفعله بعض الأعاجم، لأجل قتل الحسين بن الإمام على رضى الله تعالى عنهما،
(١) وفي رواية لأحمد وابن ماجه والبخارى ومسلم: «نحن أحق بموسى منكم» .