للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكانت هذه من البدع السيئة، ومن عمل الذين- ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا- إذ لم يأمر الله سبحانه ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما، فكيف بمن دونهم؟! والقاصّ الذى يذكر للناس قصة القتل يوم عاشوراء، ويخرق ثوبه ويكشف رأسه ويأمرهم بالقيام والتشنيع تأسّفا على المصيبة يجب أن يمنع، والمستمعون له لا يعذرون فى الاستماع.

قال الإمام الغزالى وغيره: «يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضى الله عنه، وحكاية ما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم، فإنه يهيّج على بغض الصحابة والطعن فيهم، وهم أعلام الدين الذين تلقّى عنهم أئمة الدين، وتلقينا عنهم، والطاعن فيهم طاعن في نسبه ودينه» .

وقال الإمام الشافعى وجماعة من السلف: «تلك دماء طهّر الله منها أيدينا، فلنطهّر منها ألسنتنا» «١» . انتهي

فليس لاتخاذ يوم عاشوراء مأتما مستند يتخرّج عليه، بخلاف المولد الشريف، فقد فهمت مستنده، بل هو متعدّد، فقد قال الحافظ الجلال السيوطى رحمه الله:

«وقد ظهر لى تخريجه (يعنى عمل المولد) على أصل اخر (يعنى غير ما ذكره الحافظ ابن حجر) وهو ما أخرجه البيهقى عن أنس أن النبى صلّى الله عليه وسلّم عقّ عن نفسه بعد النبوة مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا الذى فعله النبى صلّى الله عليه وسلّم إظهار للشكر على إيجاد الله إيّاه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته، كما كان يصلى على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرّات» . انتهى.

قال شيخ مشايخنا النّجم الغيطى رحمه الله: «وما ذكره الحافظ ابن حجر من التخريج أنسب وأظهر مما ذكره الحافظ الجلال، كما هو الظاهر؛ لأن فعل صوم عاشوراء يتكرر كل عام، وهو في وقت معين، فكان عمل المولد المذكور مثله، بخلاف العقيقة فإنها لا تتكرر، وليست مختصه بوقت معين، ولا تتقدم عليه ولا


(١) وقال ذلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله.