أنماط كتابة السيرة النبوية بوصفها نصّا سرديا، وليساهم، من ناحية ثالثة، فى إنشاء تقاليد كتابة بعض الأنواع السردية الحديثة في الأدب العربى.
وبقدر ما تكشف النواحى الثلاث السابقة عن منحى التجديد الأدبى لدى الطهطاوى فإنها تتطلب إضاءة عدة أطر تتمثل في أنماط كتابة السيرة النبوية- بوصفها نصا سرديا- لدى السابقين على الطهطاوى، وعلاقة كتابة الطهطاوى السيرة بلحظة نشأة الأنواع السردية الحديثة في الأدب العربى، ووعى الطهطاوى بالأشكال السردية العربية الوسيطة، ومستويات تلقى نص الطهطاوى ودور الوسيط الثقافى الذى نقله إلى المتلقى في تحديد طرائق التلقى، وعلاقة كتابة الطهطاوى بالموقف أو الرسالة التى ضمّنها تلك الكتابة.
وستتبدى طبيعة كتابة الطهطاوى عبر الأطر المختلفة التى نضع" نهاية الإيجاز" فى سياقاتها المتداخلة والمتفاعلة معا.
(٢) مرّ متن السيرة النبوية بمراحل متعددة ومتشابكة، ومتوالية أيضا، إلى أن استوى نصّا سرديا مكتملا؛ إذ شكلت المرويات التى رواها بعض الصحابة عن حياة النبى (ص) وصفاته وسلوكه المادة الأولى لمتن السيرة، وطوال القرنين الأوّل والثانى الهجريين برزت أسماء بعض التابعين- مثل عروة بن الزبير وعاصم بن عمر بن قتادة والزهرى وعبد الله ابن أبي بكر وغيرهم- ممن تخصصوا في رواية أخبار النبى. وقد وازى تطور الاهتمام بجمع أخبار النبى التطور في علوم الحديث والتفسير والتاريخ (٦) وهذا ما برز، منذ بداية القرن الثالث الهجرى، إذ توزع الاهتمام بسيرة النبى بين أصحاب كتب طبقات المحدثين، من ناحية وكتّاب التاريخ العام من ناحية ثانية، وكتّاب سيرة النبى من ناحية ثالثة. فابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) صاحب (الطبقات الكبرى) قد دوّن سيرة النبى في الأجزاء الأربعة الأولى من كتابه، حيث كان يعنون الفقرات، ثم يسوق داخل كل فقرة مجموعة المرويات: أي الأحاديث والأخبار التى تقع في دائرتها، ولا يكاد يقدم رأيا فيما يرويه (٧) . على حين أصّل الطبرى (ت ٣١٠ هـ) فى كتابه (تاريخ الرسل والملوك) تقليدا يتمثل في تقديم