سيرة الرسول (ص) بوصفها جزا من التاريخ العام، وقد تابعه في ذلك المؤرخون التالون له كابن الأثير (ت ٦٣٠ هـ) فى كتابه (الكامل في التاريخ) وابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) فى كتابه (البداية والنهاية) وغيرهما.
وتشكلت كتابة السيرة النبوية في ثلاثة أنماط مختلفة؛ نمطان منها يمكن وصفهما بأنهما نمطان سرديان خالصان، على حين يمكن وصف ثالثهما بأنه يضيف إلى المتن السردى نصا اخر شارحا بعض الوقائع أو يضيف معارف من علوم متنوعة. ويمثل نمط السيرة المكتملة التى تقدم وقائع حياة النبى (ص) وغزواته وعلاقاته المختلفة النمط السردى الأوّل، ونموذجه الأجلى سيرة ابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) التى رواها ابن هشام (ت ٢١٨ هـ) ، وقد قسم ابن إسحاق السيرة إلى ثلاثة أقسام كبرى هى المبتدأ، والمبعث، ثم المغازى، وكان يقدم- سواء داخل كل قسم من الأقسام الكبرى أو الأقسام الصغرى التى تشكل الأقسام الكبرى- الأخبار المختلفة، ويقدم الوقائع مستشهدا بالأشعار سواء في إطار سرده الوقائع، أو في نهايتها؛ كما في تقديمه- فى نهاية الغزوات- الأشعار المختلفة التى قيلت فيها.
وإذا كان ابن هشام قد هذب نص ابن إسحاق فإنه قد أهمل بعض مرويات ابن إسحاق كما خذف أشعارا لم ير (أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به (٨) .
ولقد تحول متن ابن هشام إلى المصدر الأساسى الذى اعتمده اللاحقون له سواء كانوا من المؤرخين الخلّص أو من كتاب السيرة النبوية، ويمثل كتاب" عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير" لابن سيد الناس (ت ٧٣٤ هـ) نموذجا لكتابة تتابع تقاليد سرد السيرة النبوية المكتملة التى أصّلها ابن إسحاق وابن هشام، ثم تضيف إليه تقاليد جديدة مثل تقديم مرويات مختلفة عن رواة اخرين غير ابن إسحاق، وتقديم مرويات تمثل تحديدات أدق لمضامين بعض مرويات ابن إسحاق، أو تصحيح بعض المرويات التى قدمها ابن إسحاق (٩) .
ولما كان معنى مصطلح السيرة النبوية قد انصرف- لا سيما في المراحل المبكرة من رواية السيرة وتدوينها- إلى دلالة تقصره على تقديم المرويات الخاصة بمغازى الرسول (ص) فإن كتاب محمد بن عمر الواقدى (ت ٢٠٧ هـ)" المغازى" يمثل نمط