الكتابة في السيرة طبقا لهذا الفهم. ويبدو أن اقتصار عمل الواقدى على فترة قصيرة من حياة النبى (ص) قد منحه فرصة وضع تقاليد خاصة في سرد المغازى؛ إذ ثبّت طرائق واحدة اتبعها في سرد الغزوات المختلفة؛ فبعد أن افتتح كتابه بذكر أسماء الرواة الذين نقل عنهم أخباره مشيرا إلى اختلاف مروياتهم أخذ يسرد (المغازى واحدة واحدة مع تاريخ محدد للغزوة بدقة، وغالبا ما يذكر تفاصيل جغرافية عن موقع الغزوة، ثم يذكر المغازى التى غزاها النبى بنفسه وأسماء الذين استخلفهم على المدينة أثناء غزواته، وأخيرا يذكر شعار المسلمين في القتال، كل ذلك بالإضافة إلى وصفه لكل غزوة بأسلوب مواحد، فيذكر أولا اسم الغزوة وتأريخها وأميرها، ويكرر في بعضها اسم المستخلف على المدينة وتفاصيل جغرافية مما كان قد ذكرها في مقدمة الكتاب. وفي أماكن كثيرة يقدم لنا الواقدى قصة
الواقعة بإسناد جامع- أى يجمع الرجال والأسانيد في متن واحد. وإذا كانت الغزوة قد نزل فيها ايات كثيرة من القران، فإن الواقدى يفردها واحدها مع تفسيرها ويضعها في نهاية أخبار الغزوة. وفي المغازى الهامة يذكر الواقدى أسماء الذين شهدوا الغزوة وأسماء الذين استشهدوا أو قتلوا فيها) (١٠) .
ويشكل نمط الكتابة المختصرة النمط السردى الثانى من أنماط كتابة السيرة النبوية، وهو يشترك مع النمط السابق في تقديم الأخبار الخاصة بحياة الرسول (ص) ووقائع دعوته وغزواته المختلفة، وتقسيم هذه الأخبار طبقا للمسار الزمنى لحياة الرسول (ص) ، ولكن كتّاب ذلك النمط كانوا يركزون على اختيار الوقائع، ويعرضون عن تقديم المرويات المختلفة حول الوقائع التى يعرضونها، كما يندر لدى بعضهم- كابن عبد البر- تقديم الأشعار المرتبطة بوقائع السيرة، بينما لا يورد بعضهم الاخر- كابن حزم- أيّا من أشعار السيرة. ومن أبرز النماذج التى تمثل هذا النمط كتاب" الدرر في اختصار المغازى والسير" لابن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ) ، وكتاب" جوامع السيرة" لابن حزم الأندلسى (ت ٤٥٩ هـ)(١١) .
وثمة احتمال أن يكون تأصل هذا النمط في إطار كتابة السيرة النبوية قد أثر على كتابة بعض النصوص التى تنتمى إلى النمط الأوّل؛ فكتاب المقريزى (ت ٨٤٥ هـ)(إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع) يقوم على