إيجاز المرويات المختلفة التى يعيد المقريزى صياغتها بلغته هو، مقدما- فى ثنايا سرده- بعض المرويات المسندة إلى قائليها الأوّل، ومستشهدا بالقليل من أشعار الوقائع، (١٢) ، ولعل قيام كتاب المقريزى على لغة مؤلفه في الصياغة جعل منه متنا مختلفا عن متون النمو الأوّل التى كانت تنظيما لمجموعات من الأخبار ذات الأسانيد.
إن متن السيرة النبوية في كتابات النمطين السابقين يشكل نصا سرديا يقوم على تتابع عدد من الواحدات السردية الكبرى التى تصور حياة النبى (ص) ، وإذا كانت كل واحدة سردية كبرى تقدم مرحلة مهمة ودالة من حياة شخصية النبى (ص) فإن الواحدة السردية الكبرى يمكن أن توصف بأنها مقطع سردى طويل يبدأ من نقطة زمنية محددة وينتهى عند نقطة زمنية محددة، وتحمل كل نقطة منهما قيمة دالة في حياة الشخصية، وما بين نقطة البداية ونقطة النهاية يتشكل امتداد زمنى تملؤه عناصر سردية متنوعة كالوقائع والأخبار والأحداث وغيرها. وإذا كانت كل واحدة كبرى تشكل (سلسلة من الأفعال المتعاقبة)(١٣) فإن الراوى لا يكتفى بتقديم تلك السلسلة عبر مسار زمنى صاعد، وإنما يستطيع دائما أن يكسر ذلك المسار بالعودة المطولة إلى الماضى أو ماضى الماضى أحيانا- ولا سيما لتأصيل نسب الشخصية- أو تقديم نبوات بمصائر بعض الشخصيات- ولا سيما أعداء البطل- أو الاستطراد نحو كثير من التفريعات السردية التى تضعف- أحيانا- من ظهور المسار الزمنى الأساسى للوقائع.
وتشكل بعض الوقائع في السيرة النبوية ما يمكن أن يسمى واحدة سردية وسطى إذ تقع- من ناحية- فى مدى زمنى أقل من المدى الذى تستغرقه وقائع الواحدة السردية الكبرى، كما تقوم- من ناحية ثانية- على نواة صراع مباشر يحدد للراوى طريقة معينة في سرد الوقائع وتنظيمها وصياغة التفاصيل، مما يجعل السرد أدنى إلى التركيز على خيوط متوالية زمنيا، ومتوالدة سببيا. وتمثل الغزوات الكبرى نماذج دالة لتلك الواحدات السردية الوسطى، ولعل هذا" التميز" الذى تتصف به واحدات المغازى هو الذى جعل عبد الله إبراهيم يصفها بأنها قد جاءت- فى سيرة ابن إسحاق (بشكل واحدات شبه قصصية)(١٤) ، بينما وصف عبد