الحميد بورايو الغزوة بأنها (تمثل قصة مكتملة، لها بداية ووسط ونهاية، وهى في الوقت نفسه ترتبط بمثيلاتها بواحدة ملحمية)(١٥) .
وتمثل الأخبار والحكايات المختلفة نمط الواحدة السردية الصغرى ليس في متن السيرة النبوية واحدها، ولكن في كل أشكال السرد العربى الوسيط.
وتمثل السيرة المشروحة النمط الثالث من أنماط كتابة السيرة النبوية، ويقوم هذا النمط على الموازاة بين نصين مختلفين ومتصلين في الان نفسه، ويتمثل النص الأوّل في متن ابن إسحاق أو ابن هشام الذى يتحول لدى كتاب هذا النمط إلى نص أصلى، بينما يتمثل النص الثانى في نص شارح يقدم فيه مؤلفه شرحا للألفاظ الغريبة أو إعرابا لبعض الكلمات أو العبارات الغامضة، وتجلية لأنساب بعض الشخصيات، وإكمالا لبعض الأخبار الناقصة، وتناولا لبعض الجوانب الفقهية أو الكلامية التى تثيرها بعض وقائع السيرة أو مواقفها.
ويبدو أن هذا النمط قد تشكل في مرحلة تالية لتشكل النمطين الأولين، كما يبدو أنه كان يؤدى بعض الوظائف التعليمية المباشرة، ومن الكتب الممثلة لهذا النمط كتاب" الروض الأنف في شرح السيرة" الذى ألفه عبد الرحمن السهيلى (ت ٥٨١ هـ) ، وهو يقرر في مقدمته أنه قد جمع فيه (من فوائد العلوم والاداب، وأسماء الرجال والأنساب؛ ومن الفقه الباطن اللباب، وتعليل النحو وصنعة الإعراب، ما هو مستخرج من نيف على مائة وعشرين ديوانا، سوى ما أنتجه صدرى ونفحه فكرى ونتجه نظرى ولقنته عن مشيختى، من نكت علمية لم أسبق إليها ولم أزحم عليها)(١٦) .
ولعل ذلك النص أن يكون كاشفا عن أن اكتمال نص السيرة النبوية لدى ابن هشام- فى بداية القرن الثالث الهجرى- قد جعل من شراحه يسعون إلى إفادة القارئ بتقديمهم مجموعة من المعارف المختلفة المستمدة من مجالات الحديث والفقه وعلوم اللغة وعلم الكلام والتاريخ، والقراات أحيانا، فى إضاءة النص الأصلى للسيرة، وذلك ما يخرج بعض هذه النصوص، وربما معظمها، عن إطار الكتابة الأدبية والكتابة التاريخية؛ يستوى في هذا كتاب" الروض الأنف" وكتاب" الشفا فى حقوق المصطفى" الذى ألفه القاضى عياض (ت ٥٤٤ هـ) وجعل من شروحه