قد قتل، وقال يوم بدر لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [الأنفال: ٤٨] .
وهذا الاحتمال غير مستحيل عقلا وشرعا، فتنة من الله وابتلاء لعباده، لكنه إنما يجوز في غير مقام تبليغ الوحى وأداء الرسالة له، لأننا لو جوّزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه، ولجوّزنا في كل ما بلّغه إلينا عن الله تعالى أن ينضم إليه غيره بخلط الشيطان، فظهر مما ذكرنا أن هذه القصة موضوعة، غاية ما في الباب أن جمعا من المفسرين رحمهم الله ذكروها، لكنهم ما بلغوا في الكثرة حدّ التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية والمتواترة، فلذلك قال البيضاوى في تفسير الاية:«ألقى الشيطان في تشهّيه ما يوجب اشتغاله في الدنيا، ولم يقل ما يوافق تشهيه من الكلام» .
ثم قال البيضاوي:«وإن صحّ فالظاهر أن مبنى الصحة أن يتكلم به الشيطان عند سكوته عليه الصلاة والسلام عند قوله تعالى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى. فإنه أقرب الاحتمالات المذكورة إلى الصحة؛ فيكون المعنى: ما من رسول ولا نبى قبلك إلا مكّنا الشيطان أن يلقى في قراءتهم مثل ما ألقى في قراءتك عند ما تمنيت، فلا تهتم بذلك؛ فإنا نجعل ذلك لإضلال قوم وهداية اخرين، والتمييز بين الثابت على الإيمان والمتزلزل عنه» انتهى كلام البيضاوي.
وعبارة العلّامة الشهاب الخفاجى في قوله «وهو مردود عند المحققين وإن صحّ ... » قد ذكرنا فيها ما قاله الشيخ زادة، وقال الشهاب الخفاجى فيها قوله:
«وهو مردود عند المحققين، وإن صح ... » إشارة إلى عدم صحته: رواية ودارية:
أما الأوّل (عدم صحته دارية) ؛ فلما قاله القاضى عياض: إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة بسند صحيح معتمد عليه. وبالغ بعضهم فقال:
إنه من وضع الزنادقة، وأكثر المحدّثين على عدم صحّته.
وأما الثانى (عدم صحته رواية) فلما مرّ، فعلى تقدير صحته يكون خرج مخرج الكلام الوارد على زعمهم أو على الإنكار لا غير، أو المراد بالغرانيق:
الملائكة، وإجماله للابتلاء به.
وأما كونه ابتلاء من الله ليختبر به الناس، كما ذكره البيضاوى رحمه الله تعالى، فلا يليق به؛ لأنه إن كان بسهو منه فقد علمت أنه محفوظ عن مثله، وإن كان بتكلم الشيطان وإسماعه لهم، فكذلك لما يلزمه من عدم الوثوق بالوحي» انتهى كلام الشهاب.