وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي:«هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وإن رواة هذه القصة مطعونون، وأيضا فقد روى البخارى في صحيحه «أنه صلّى الله عليه وسلّم قرأ سورة النجم وسجد المسلمون والمشركون والإنس والجن» وليس فيه حديث الغرانيق.
وأما المعقول: فما ذكره الإمام النسفى في تفسيره بقوله: «والصحيح المعتمد عليه أن النبى صلّى الله عليه وسلّم لم يتكلم بها، فلا يخلو الأمر من أحد ثلاثة أوجه:
إما أن يجرى ذلك على لسانه عمدا باختياره، وهذا لا يجوز؛ لأنه كفر، وهو صلّى الله عليه وسلّم جاء داعيا إلى الإيمان ناهيا عن الكفر طاعنا في الأصنام، فكيف يمدحها ويعظّمها باختياره؟!.
وإما أن يجرى الشيطان ذلك على لسانه صلّى الله عليه وسلّم جبرا بحيث لم يقدر على الامتناع عنه، وهذا أيضا لا يجوز؛ لأن الشيطان لا يقدر على ذلك في حق غيره صلّى الله عليه وسلّم لقوله تبارك وتعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: ٤٢] وقوله تعالى حكاية عن الشيطان وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: ٢٢] فكيف يقدر على ذلك في حقه صلّى الله عليه وسلّم؟!.
وإما أن يقع ذلك على لسانه صلّى الله عليه وسلّم سهوا وغفلة من غير قصد، وهو أيضا مردود؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان أعقل الخلق وأعلمهم، فكيف تجوز عليه هذه الغافلة؟! خصوصا في حالة تبليغ الوحي، ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله والثقة به، لقيام احتمال الغلط والخطأ في كل واحد من الأحكام والشرائع، فلما بطلت هذه الوجوه كلها لم يبق إلا احتمال واحد، وهو أنه عليه الصلاة والسلام وقف وسكت عند قوله: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)[النجم: ٢٠] والشيطان حاضر عنده، فتكلّم الشيطان بهذه الكلمات متصلا بقراءته صلّى الله عليه وسلّم، ووقع عند بعضهم أنه صلّى الله عليه وسلّم هو الذى تكلم بهذا، وتكون هذه إلقاء في قراءة النبى صلّى الله عليه وسلّم، وكان الشيطان يتكلم في زمن الوحي، كما ذكر أنه ظهر في صورة شيخ نجدى على المشركين الذين اجتمعوا في دار الندوة على قضية المكر بالنبى صلّى الله عليه وسلّم، وتكلم في شوّارهم «١» ، واستصوب رأى بعضهم وخطّأ اخرين، وذكر أيضا أنه نادى يوم أحد أن محمدا