يعوّل على كلامه، لا سيما مع قول البيهقي:«إن رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم» ، ومع قول النووى نقلا عن البيهقى ونصه: «وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جرى على لسانه من الثناء على الهتهم فباطل لا يصح منه شيء، لا من جهة النقل ولا من جهة العقل؛ لأن مدح إله غير الله كفر، ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه صلّى الله عليه وسلّم، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك، ولا يلزم عدم الوثوق بالوحي.
* وقال الفخر الرازي: «هذه القصة باطلة موضوعة لا يجوز القول بها، قال الله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤)[النجم: ٣، ٤] والشيطان لا يجتريء أن ينطق بشيء من الوحي.
* وفي كتاب «الإبريز» للعارف بالله تعالى سيدى عبد العزيز الدباغ ما يفيد تصحيح «١» قول القاضى عياض من أن حديث الغرانيق لا أصل له، ورد قول ابن حجر المحتاج للتأويلات في تفسيره الاية، ثم فسّرها صاحب الإبريز بتفسير بديع وأقرب للعقول، وعبارته: «إن الله تعالى ما أرسل من رسول ولا بعث نبيّا من الأنبياء إلى أمة من الأمم إلا وذلك الرسول يتمنى الإيمان لأمته، ويحبه لهم ويرغّب فيه، ويحرص عليه غاية الحرص، ويعالجهم عليه أشد المعالجة، ومن جملتهم في ذلك نبينا صلّى الله عليه وسلّم الذى قال له الرب سبحانه فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف: ٦] ، وقال تعالى وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: ١٠٣] . إلى غير ذلك من الايات المتضمّنة لهذا المعنى، ثم الأمة تختلف كما قال تعالى:
وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ [البقرة: ٢٥٣] ، فأما من كفر فألقى إليه الشيطان الوساوس القادحة له في الرسالة الموجبة لكفره، وكذا المؤمن أيضا لا يخلو من وساوس القادحة؛ لأنها لازمة للإيمان بالغيب في الغالب، وإن كانت تختلف في الناس بالقلة والكثرة، وبحسب المتعلقات، إذا تقرر هذا فمعنى تمنّي: أنه يتمنى الإيمان لأمته، ويحب لهم الخير والرشد والصلاح والنجاح، فهذه أمنية كل رسول ونبي، وإلقاء الشيطان فيها يكون بما يلقيه في