للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوب أمة الدعوة من الوساوس لكفر بعضهم، ويرحم الله المؤمنين فينسخ ذلك من قلوبهم، ويحكم الايات الدالة على الواحدانية والرسالة، ويبقى ذلك عز وجل في قلوب المنافقين والكافرين، ليفتتنوا به.

فخرج من هذا أن الوساوس تلقى أوّلا في قلوب الفريقين معا، غير أنها لا تدوم على المؤمنين وتدوم على الكافرين.

وهذا التفسير من أبدع ما يسمع؛ لأنه يوفى بثلاثة أمور: العموم الذى في أولها، والتعليل الذى في اخرها، ويعطى الرسالة حقها» . انتهى كلام صاحب الإبريز «١» .

ومنه يفهم أن إلقاء الوسوسة إنما هو في المتمنّى للأمة من أنبيائهم لهم، وهو إيمانهم وطاعتهم وتوفيقهم مما هو وصفهم، وليست الوسوسة متوجهة على الأنبياء المعصومين، الذين خاتمهم وأكملهم صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّ من عرف ما يجب للرسل وما يستحيل عليهم وما يجوز لهم علم وجوب العصمة واستحالة ضدها.

* وبيان ذلك: أنه يجب في حقّهم الأمانة، والصدق، والتبليغ، والفطانة: فأما الأمانة:

فهى عصمة ظواهرهم وبواطنهم من التلبّس بمنهيّ عنه، ولو نهي كراهة أو خلاف الأولي؛ فهم محفوظون من منهيات الظاهر ومن منهيات الباطن، كالحسد والكبر والرياء وغير ذلك، والمراد المنهيّ عنه ولو صورة، فيشمل ما قبل النبوة، ولو في حال الصغر حتّى أن المباح أو المكروه إذا وقع منهم كان صورة للتشريع، فيصير واجبا أو مندوبا في حقهم؛ فأفعالهم دائرة بين الواجب والمندوب، بل ومن الأولياء الذين هم أتباعهم من يصل منهم لمقام تصير حركاته وسكناته طاعات بالنيات، فقد ثبت أنّه صلّى الله عليه وسلّم توضأ مرة أو مرتين وشرب قائما.

وأما المحرّم: فلم يقع منهم إجماعا، وما أوهم المعصية فمؤوّل من باب (حسنات الأبرار سيئات المقربين «٢» ولا يجوز النطق به في غير مورده إلا في مقام البيان. ودليل وجوب الأمانة لهم أنهم لو خانوا بفعل محرم أو مكروه أو


(١) وهذا هو الذى ترتاح إليه قلوب المؤمنين.
(٢) لأن مقام المقرّب أعلى من مقام البار، فلا يقبل منه ما يقبل من البار. والله أعلم.