للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيء ولا يفعله، فقال أبو بكر بن العربي: «لا أصل له» «١» .

وأما السهو فممتنع عليهم في الأخبار البلاغية، كقولهم: الجنة أعدّت للمتقين، وعذاب القبر حق، وغير البلاغية: كقام زيد وقعد عمرو، وهكذا، وجائز عليهم السهو في الأفعال البلاغية وغيرها كالسهو في الصلاة للتشريع، لكن لم يكن سهوهم ناشئا عن اشتغالهم بغير ربهم، ولذلك قال بعض الشعراء:

يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو عن كل قلب غافل لا هى

قد غاب عن كل شيء سرّه فسها ... عمّا سوى الله، فالتعظيم لله

ومن السهو الفعلى حديث ذى اليدين لمّا قال له: «أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟» حين سلّم من ركعتين، فقال: «كلّ ذلك لم يكن» . فقال ذو اليدين:

بل بعض ذلك كان» فقوله صلّى الله عليه وسلّم «كل ذلك لم يكن» لم يخل عن مطابقة الخبر للواقع بحسب اعتقاده صلّى الله عليه وسلّم، وقول ذى اليدين: «بل بعض ذلك كان» فيه مطابقة الخبر للواقع بحسب ما راه، وكل ذلك للتشريع وتعريف سجود السهو.

وأما النسيان فهو ممتنع في البلاغيات قبل تبليغها قولية كانت أو فعلية؛ فالقولية كالجنة أعدت للمتقين، والفعلية كصلاة الضحي، إذ أمر بها ليقتدى به فيها، فلا يجوز نسيان كل منهما قبل تبليغ الأولى بالقول، والثانية بالفعل، وأما بعد التبليغ فيجوز نسيان ما ذكر من الله «٢» .

وأما نسيان الشيطان فيستحيل عليهم؛ إذ ليس للشيطان عليهم سبيل، وقول يوشع: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ [الكهف: ٦٣] فكان قبل نبوته وعلمه بحال نفسه، وإلا فهو رحماني.

وبالجملة فيجوز على ظواهر الأنبياء ما يجوز على البشر، مما لا يؤدى إلى نقص، وأما بواطنهم فمنزهة عن ذلك، متعلقة بربهم؛ هذا تحقيق المقام، فالتأويل


(١) الواقع أن هذا الحديث صحيح: رواه أئمة الحديث، وعلى رأسهم الإمام البخارى رضى الله عنه وعنهم، وليس في هذا مطعن فيه صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن الذى حدث خيال وليس بحقيقة، وللحديث شاهد من قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، في قوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه: ٦٦] وشتان بين الخيال والواقع، والله تعالى أعلم.
(٢) يحكم كل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «إنى لا أنسي، ولكنى أنسّى لأسنّ» .