للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف في تفسير الحكمة، فقيل: هى العلم المشتمل على معرفة الله تعالى مع نقاء البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك.

قال الإمام النووى في شرح مسلم: «وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال الذهب لنا؛ فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان قبل تحريم أوانى الذهب والفضة، والتحريم إنما وقع بالمدينة، كما نبه عليه الحافظ ابن حجر» .

قال الشيخ محمد بن أبى جمرة: «الحكمة في شق صدره مع القدرة على أن يمتليء قلبه صلّى الله عليه وسلّم إيمانا وحكمة بغير شق: الزيادة في قوة اليقين؛ لأنه أعطى برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العاديّة، فلذلك كان أشجع الناس حالا ومقالا، ولذلك وصف بقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) [النجم: ١٧] ، اهـ. وكل هذه الأمور يجب الإيمان بها، والقدرة «١» صالحة لذلك، وقد انخرقت العادات لكثير من أولياء الله تعالى المتطفلين على جناب هذا السيد العظيم المحبوب الأكبر، فكيف به عليه الصلاة والسلام؟

وقد سئل الإمام تقى الدين السبكى رحمه الله عن العلقة السوداء التى أخرجت من قلبه صلّى الله عليه وسلّم حين شقّ فؤاده، وقول الملائكة «هذا حظ الشيطان منك» ، فأجاب رحمه الله بأن تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر، قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت من قلبه صلّى الله عليه وسلّم، فلم يبق فيه مكان لأن يلقى الشيطان فيه شيئا، وهذا معنى الحديث. قيل له: فلم خلق الله تعالى هذا القابل «٢» فى هذه الذات الشريفة، وكان يمكنه ألايخلقه الله تعالى فيه؟ فقال: إنه من جملة الأجزاء الإنسانية، فخلقه تكملة للخلق الإنساني، ولا بد منه، ونزعه كرامة ربانية طرأت.

وقال غيره: لو خلق نبيه صلّى الله عليه وسلّم سليما منها لم يكن للادميين اطّلاع على


(١) أى القدرة الإلهية.
(٢) أى القابل لوسوسة الشيطان.