الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الايات، فأما احتجاجها بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فجوابه ظاهر؛ فإن الإدراك هو الإحاطة، والله تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النص بنفى الإحاطة لا يلزم منه نفى الرؤية بغير إحاطة، وأما احتجاجها بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ الاية، فالجواب عنه من أوجه:
أحدها: أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
الثانى: أنه عامّ مخصوص بما تقدّم من الأدلة.
الثالث: ما قاله بعض العلماء: إن المراد بالوحى الكلام من غير واسطة، وإن كان مذهب الجمهور أن المراد بالوحى هنا الإلهام، أو الرؤيا في المنام، وأما قوله تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: ٥١] فقال الواحدى وغيره: معناه غير مجاهر لهم بالكلام، بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجابا يفصل موضعا من موضع، ويدلّ على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، حيث لم ير المتكلم.
وما قدّمناه من أنه صلّى الله عليه وسلّم رأى ربه بعينى رأسه هو قول أنس وعكرمة والحسن والربيع وجماعة من المفسرين.
وقال ابن عباس وأبو ذر وإبراهيم التيمى: راه بقلبه.
قال ابن عطية: وعلى هذا رأى ربّه بقلبه رؤية صحيحة، وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده، أو خلق لفؤاده بصرا حتّى رأى ربه رؤية صحيحة.
أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: «نظر محمد إلى ربه مرتين؛ مرة ببصره ومرة بفؤاده، وعليه فلابن عباس مذهب كون الرؤية بالبصر وبالفؤاد.
وما قاله ابن عطية في الرؤية بالفؤاد أقرّه النووى وارتضاه ابن حجر، ثم