قال: وليس المراد برؤية الفؤاد مجرد حصول العلم؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان عالما بالله على الدوام، فليس المراد بالرؤية المعرفة؛ لأن غيره صلّى الله عليه وسلّم من الأولياء إذا أطلقوا الرؤية والمشاهدة وأسندوا ذلك لأنفسهم إنما يريدون بها المعرفة فقط، فقال بعضهم:
دنا ليلة الإسراء ممن أحبّه ... وثانيه روح القدس والناس هجّد
دنوّ اصطفاء لا دنوّ مسافة ... وإن كان في حالاته ليس يبعد
وقال أيضا:
نجىّ لربّ العالمين مقرّب ... حبيب فيدنو كل حين ويستدنى
نأى ليلة الإسراء عنّا ترقيا ... فكان دنوا قاب قوسين أو أدنى
فقلنا له عن صحة ألف اية ... وهل تنكر الأزهار في الروضة الغنا
ولم تثبت الرؤية في الدنيا لغيره صلّى الله عليه وسلّم، حتى لموسى عليه السلام، كما قال:
ولو قابلت لفظة «لن ترانى» ... ب «ما كذب الفؤاد» فهمت معنى
خلافا لمن قال غير ذلك:
والحاصل في أنه «على القول بوقوع الرؤية في الدنيا» لم تحصل لبشر غير نبينا صلّى الله عليه وسلّم، ومن ادّعاها في الدنيا يقظة فهو ضال بإطباق العلماء، بل قيل بتكفيره. وقد نقل جماعة الإجماع على أنها لا تحصل للأولياء في الدنيا، والصواب أنه مختلف فيها وأن المنع أرجح قولى الأشعرى، وذهب ابن الصلاح وغيره إلى تكذيب مدّعيها يقظة في الدنيا، فإن صح عن أحد من المعتبرين وقوع ذلك يؤوّل بأن تقلبات الأحوال تجعل الغائب كالمشاهد، حتى إذا كثر اشتغال السرّ بشيء واستحضاره له صار كأنه حاضر بين يديه، كما هو معلوم بالوجدان لكل أحد، وعليه يحمل ما نقل عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان يطوف حول البيت فسلّم عليه إنسان فلم يردّ عليه، فشكاه إلى عمر رضى الله عنه، فقال:«كنا نرى الله في ذلك المكان» ، وهذا يدل على أنه قد تتفق في زمان دون زمان، ومكان دون زمان، ومكان دون مكان، وسيأتى قريبا لذلك بعض تحقيق.