للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يستدل القوم بايتى النجم لاحتمالهما رؤية وجبريل، وقد وردت الاثار بمستند كلّ من الاحتمالين في الايتين، وإنما الراجح كما قاله بعض المتأخرين:

أن الرؤية بالبصر وأن المرثى هو الله تعالى لا جبريل «١» ، وقد ذهب جماعة إلى الوقف في هذه المسألة ولم يجزموا بنفى ولا إثبات لتعارض الأدلة، ورجّحة أبو العباس القرطبى في «المفهم» «٢» وعزاه لجماعة من المحققين، وقوّاه بأنه ليس فى الباب دليل قاطع، وغالب ما ساتدل به الطائفتان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل.

قال القرطبى: وليست المسألة من العلميات «٣» حتى يكتفى فيها بالأدلّة الظنية، وإنما هى من المعتقدات التى يطلب فيها الدليل القطعى.

وردّه السبكى في «السيف المسلول» بأنه ليس من شرط جميع مسائل الاعتقاد الثبوت بالدليل القطعى، بل متى كان حديثا صحيحا، ولو ظاهرا، وهو من رواية الاحاد جاز أن يعتمد عليه في بعض تلك المسائل، حيث لم يكن من مسائل الاعتقاد التى يشترط فيها القطع، على أنّا لسنا مكلفين بذلك «٤» .

وقد اختلف في رؤيته في المنام، ومعظم المثبتين للرؤية في الدنيا على جوازها من غير كيفية وجهة، ونقل عن القاضى عباس اتفاق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام، وصحتها إن ادّعاه من هو أهله، كولىّ يوثق به، ويكون ذلك تخصيصا للعموميات، كقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وأما إن ادعاه من ليس من أهله كالعاصى والمقصّر، فإنا نكذبه، ومع ذلك فالرؤية المنامية ليست من قبيل المشاهدة البصرية الحقيقة، وإنما هى من قبيل نوع مشاهدة بالقلب دون العين، وهى أيضا غير الرؤية القلبية التى في اليقظة؛ فرؤيته صلّى الله عليه وسلّم لربه ليلة الإسراء كانت يقظة بصرية أو قلبية، يعنى رؤية صحيحة،


(١) لا نوافق على هذا أبدا، لأن قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [تحديد مكان، والله تعالى لا يحل في مكان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ إذ المكانية صفة للمخلوق.
(٢) كتاب المفهم لشرح صحيح مسلم للإمام القرطبى.
(٣) فى الأصل «العمليات» .
(٤) نعم لسنا مكلفين بالبحث في الأمور التى لا تحيط بها العقول «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» .