حيث جعل الله تعالى بصره صلّى الله عليه وسلّم في فؤاده، أو خلق لفؤاده بصرا حتّى رأى ربه رؤية صحيحة كما سبق، لا في جهة ولا بانحصار، منزها عن صفات الحوادث. والمحققون على أنه راه بعينه وبقلبه، وإسراؤه ومعراجه صلّى الله عليه وسلّم كان يقظة أيضا على الصحيح كما قيل:
أعلمت من ركب البراق عتيما ... وتلاء جبريل الأمين نديما
حتى سعا فوق السماء قدوما ... ودنا فكلّم ربّه تكليما
أم من على الرسل الكرام تقدّما ... ونوى الصلاة بهم، وكبّر محرما
وسرى إلى ذى العرش فرّدا بعد ما ... بلغ الأمين «١» مكانه المعلوما
أم من كتاب القوس اية قربه ... بعلوّه ودنوه من ربه
ورأى الإله بعينه وبقلبه ... وحوى من الغيب الخفىّ علوما
ولذلك لما أفحم قريشا بالدلائل القوية التى تفيد اليقين، من وصف بيت المقدس، ووصف العير التى مرّ بها في طريقه، وأنها تصل إليهم وقت كذا، فكان كما أخبر، لم يجدوا طريقة إلا أن رموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد.
ولوقوع الإسراء ليلا فوائد، منها: ليزيد الذين آمنوا إيمانا بالغيب. ويفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، وقد قال تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ [الإسراء: ٦٠] أى التى شاهدتها ليلة الإسراء إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ أى امتحانا واختبارا، لأنه لما ذكر لهم قصة الإسراء كذّبوه، وكفر به كثير ممن كان قد امن به، وازداد المخلصون إيمانا، فلهذا السبب كانت امتحانا. والمراد «بالرؤية» فى الاية الرؤية البصرية، حيث أن الإسراء كان في اليقظة بجسمه الشريف، وأنه وقع ذلك ليلا وكان خارقا للعادة أشبه الرؤيا المنامية، فعبّر عنه بالرؤيا مجازا، وأدلّ دليلّ على أن الرؤيا كانت بصرية، قوله تعالى: فِتْنَةٌ