وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [الشمس: ٣، ٤] وبأن التقديم لا يدل على فضيلة، فقد قدّم الله الموت على الحياة، والجنّ على الإنس، والأعمى والأصمّ على البصير والسميع، فى قوله: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك: ٢] ، وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] ، مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ [هود: ٢٤] ، والمتأخر مما ذكر أفضل من المتقدم قطعا، وبأن النور قبل الظلمة، قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] ، وبأن الناس والشعراء ما زالوا يذمّون الليل ويشكونه كقول امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علىّ بأنواع الهموم ليبتلى
فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كانّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل
وقد استعاذوا بالله من الأبهمين، ويقال الأعميين: السيل والليل. وبالليل تدبّ الهوام وتثور السباع وتنتشر اللصوص وتشن الغارات وترتكب المعاصى، ولذلك قيل «الليل أخفى للويل» .
وقد قال صلّى الله عليه وسلّم «أقلّوا الخروج إذا هدأت الرّجل؛ فإن لله دوابّ ينشرها «١» وقد شبه الله تعالى به وجوه أعدائه، فقال كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً [يونس: ٢٧] ، وكان الحسن يقول: ما خلق الله خلقا أشد سوادا من الليل. وقال تعالى: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ [الفلق: ٣] . قيل: هو الليل إذا أظلم وتقول العرب للمكثار: حاطب ليل؛ لما يخشى عليه من نهش الهوام.
ونهى النبى صلّى الله عليه وسلّم عن صوم الليل، وأمر بغلق الأبواب وكفّ الصبيان بالليل.
(١) رواه أحمد، وأبو داود، والنسائى عن جابر، وبلفظه: «أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل؛ فإن لله دواب يبثهن في الأرض في تلك الساعة» .