للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه معهما بالإمداد والإسعاد. واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وأبو بكر رضى الله عنه عبد الله بن أريقط دليلا، وهو علي دين كفار قريش، ولم يعرف له إسلام، فدفعا إليه راحلتهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فساروا علي طريق السواحل، ونزل صلّى الله عليه وسلّم بقديد «١» علي أم معبد: عاتكة بنت خالد، فمسح ضرع شاة مجهودة، وشرب من لبنها، وسقى أصحابه، واستمرت تلك البركة فيها، فلما جاء زوجها أكتم بن الجون، ورأي ما بالشاة من اللبن، سألها فقالت: «رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، متبلّج الوجه، حسن الخلق» ، وصارت تصفه بأوصافه إلي أن قالت: له رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر يبادرون إلى أمره، فقال: والله هذا صاحب قريش. ثم هاجرت بعد ذلك هى وزوجها، فأسلما، وكان أهلها يؤرخون بيوم نزول الرجل المبارك، ولمّا مرّت قريش سألوها عنه ووصفوه.

فقالت: ما أدرى ما تقولون، قد ضافنى حالب الحائل «٢» ، فقالوا: ذاك الذي نريد.

وبعد أن خرج من مكة سمع صوت لا يرى صاحبه:

جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتى أم معبد

هما نزلا بالهدى واهتديا به ... وقد فاز من أمسى رفيق محمد

فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد

فيال قصى «٣» ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسؤدد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت ... به من صريح ضرّة الشّاة مزيد

فغادرها رهنا لديها لحالب ... تزوّدها في مصدر ثم مورد

فعرف الناس توجهه إلى المدينة.


(١) فى المراصد «قديد» تصغير «قد» موضع قرب مكة.
(٢) الحائل: فى الأصل: كل أنثى لا تحبل، وبالتالى لا تدرّ لبنّا، والمقصود هنا الشاة المجهودة.
(٣) يا أل قصى.