للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ومع أن مثل هذه القصيدة الساقطة لا يسمح الذوق السليم بنسبتها إلي أبى بكر رضى الله تعالى عنه- علي فرض كونه يقول الشعر- فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمة الصدّيق رضى الله عنه ما لفظه:

روى سفيان بن حسين عن الزهرى قال: سألنى عبد الملك بن مروان، قال:

رأيت هذه الأبيات التي تروى عن أبى بكر رضى الله عنه؟ فقلت له: حدثنى عروة عن عائشة رضى الله عنها أن أبا بكر لم يقل شعرا في الإسلام حتي مات. انتهي.

فحينئذ يحتمل أن تكون هذه الأبيات نظمت علي لسانه، وأنه أنشدها، كما قيل فيما نسب إليه من قوله بعض أبيات، منها قوله:

كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وعن عائشة رضى الله عنها قالت: «إن أبا بكر لم يقل شعرا في الإسلام، أى ولا في الجاهلية» كما في رواية عنها، أي لم ينشئ الشعر حتي مات. وأما ما روى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أنه قال: كان أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه إذا رأى النبى صلّى الله عليه وسلّم يقول:

أمين مصطفى بالخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلام «١»

فمحمول علي أنها لم تسمع ذلك منه، علي فرض أنه من إنشائه، وكذلك ما ذكره صاحب «الينبوع» «٢» في قوله: ليس عمل الشعر رذيلة؛ فقد كان الصدّيق وعمر وعلى رضوان الله عليهم يقولون الشعر، وعليّ كرم الله وجهه أشعر من أبى بكر وعمر، ولو أنه بظاهره مناف لقول عائشة، إلا أنه يحمل على الإنشاد كثرة وقلة، فإن عليا رضى الله عنه دوّن باسمه ديوان، ولا مانع أن يكون كله مما تمثل به إن لم يثبت عنه إنشاد الشعر» .

ولما بلغ أبا جهل أمر سراقة أنشد يقول:


(١) المزايلة: المفارقة، ومنه قوله تعالى: فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ [يونس: ٢٨] ..
(٢) ربما كان كتاب ينابيع المودة لسلمان بن خوجة كيلان البلخنى.