للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سالم بن عوف، فصلّاها في مسجدهم الذى في بطن وادى «نونا» (بنون مضمومة وأخرى بعدها ألف ممدودة، وهو مسجد صغير مبنى بحجارة قدر نضف القامة) بمن كان معه من المسلمين، وهم مائة، فكانت هذه الجمعة أوّل جمعة صلّاها بالمدينة وخطب بها، وهى أوّل خطبة خطبها في الإسلام.

وكان صلّى الله عليه وسلّم يخطب قائما، وكان إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول «صبّحكم ومسّاكم» «١» ، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما، ويقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» «٢» ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى ويقول: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» «٣» .

وكان إذا قام أخذ عصا فتوكأ عليها، وكان أحيانا يتوكأ على قوس، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف. وعند الإمام أحمد وغيره من حديث سعد بن عائذ وسعد القرظ مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا. وفي وفي حديث عائشة رضى الله عنها، قالت: «كان لرسول الله [ثوبان يلبسهما يوم الجمعة، فإذا انصرف من الجمعة طواهما ورفعهما» .

وفي حديث عمرو بن أمية عند النسائى قال: كأنى أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه. ومن جملة خطبته صلّى الله عليه وسلّم: «فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإنها تجزئ: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة» .

ثم توجه بعد صلاة الجمعة على راحلته متوجّها إلى المدينة، فلما أشرف عليها قال: «هذه طابة أسكننيها ربّي، تنفى خبث أهلها كما ينفى الكير خبث الحديد، من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله عز وجل، وعليه لعنة الله


(١) رواه ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن جابر رضى الله عنه.
(٢) رواه أحمد، والترمذى، عن أنس، ورواه الإمام أحمد عن سهل بن سعد.
(٣) رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائى، وابن ماجه عن جابر، والبيهقى مطولا في الدلائل، وابن عساكر عن عقبة بن عامر والسجزى في الإبانة، وابن أبي شيبة.