للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والملائكة والناس، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» «١» .

وكيف لا تطيب بالحبيب حسّا ومعنّي، وهى معمورة أيضا بالطيبين ملائكة وإنسا وجنا، ولا يدخلها ببركته الطاعون، ولم يصب عليه الصلاة والسلام قط بالطاعون، ولا بذات الجنب، ولا جنّ نبيّ، ولا سلب، ولا احتلم، ولا تثاءب؛ لأن هذا من الشيطان، وقد عصمهم الله من ذلك، ولا تسمى مدينته الشريفة العلية فى الإسلام يثرب، كما كانت تسمى في الجاهلية لكراهة لفظ التثريب، الذى كالتعنيف والتعبير والاستقصاء في اللوم، ومنه- التثريب عليكم- قال صلّى الله عليه وسلّم «يقولون يثرب، وهى المدينة» «٢» .

قال النووى في شرح مسلم: يعنى أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها يثرب، وإنما اسمها المدينة. انتهي.

ومع ذلك فمادحوه كثيرا ما يذكرون يثرب في مديحهم، كقول سيدى عبد الرحيم البرعي:

يا ساكن القبر المنير بيثرب ... يا منتهى أملى وغاية مطلبى

فلعل قرائن المديح يحسن معها هذا التعبير، والعبرة في مثل هذا بالنية. وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت؛ فإني أشفع لمن يموت بها» «٢» ، لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه تعالى


(١) وقال عليه الصلاة والسلام: «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنى» رواه أحمد عن جابر.
(٢) وفي الحديث الشريف: «من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله: هى طابة، هى طابة» رواه الإمام أحمد عن البراء. والتثريب: المؤاخذة، ومنه قوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ أى لا مؤاخذة ولا معاقبة عليكم، ولذلك نهى النبى صلّى الله عليه وسلّم عن تسميتها «يثرب» لأن الماكث فيها يكون كما قال: «تنصح عليها» وتنصح الطيب أى تجلوه، وتزيده إيمانا. ولذلك سماها الله تبارك وتعالى «الإيمان» فى قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ [الحشر: ٩] وفي حديث اخر رواه مسلم في فضل المدينة يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذى نفسى بيده لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خبيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث لا تقوم الساعة حتّى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد» .